كنْتُ قرب الجَبل!

إن هذا العمر يركض ركضا،إنه ينفد بسرعة مثل مخزون الفقراء من القمح والسكر.ضحوة الثالث من أغسطس من عام 2005 كنت قرب الجبل مكلفا بحراسة صغار العجول حتى لا يلتحقوا بأمهاتهم،وقد فاتني أن عجول الديمقراطية(تراظعوا)،عدت منهكا من مطاردة صغار العجول المشاكسين بعد الظهيرة،وقد سكبت شمس "النو" الملتهبة قرابة لترين من العرق فوق جسدي النحيل.عندما عدت وجدت الوالدة تخيط "دف لمبار" حتى تضعه سورا منيعا يصد تلك العواصف القوية،وقد أخبرتني أن انقلابا ما حدث في نواكشوط،حسب المذياع الموضوع على منصة "دبش" والمعقود في سلك من المعدن يتصل عموديا بعمود غليظ يسمى "أزغر"،عمدت وقتها إلى "طويبلة" وكتبت فوقها بحبر أسود غليظ كنت استخدمه في رسم خريطة الوطن وأشياء أخرى هذه الجملة:
في الثالث أغسطس أشرقت الشمس من جديد من نفس الشرفة التي تعودت شمس التغيير أن تشرق منها،ولا ندري كيف سيكون ضوئها؟
تناولت بعض الأرز الممزوج باللبن الرائب والزبدة وبعد فتات التوابل(شروط)،وهذه الوجبة يطلق عليها محليا حسن جدا وجارتنا أم تبيبيب رحمها الله كانت تطلق عليها حسن "حمظا" عندما لا تكون لذيذة،ربطت بعدها أحذيتي من جديد،ووجهتي الدشرة في قلب مدينة لعيون التي تبعد عن باديتنا 5 كلم،من أجل مشاهدة قناة الجزيرة لأعرف إن كان الانقلاب الذي وقع حسن جدا أم حسن "حمظا"،ووجدتها فرصة مناسبة جدا لفتح بابهم الأحمر لمشاهدة التلفاز عندهم،ومشاهدة عيون تلك التي قادت انقلابا عاطفيا ناجحا في قلبي منذ سنتين،عندما وقفت عند بابهم ارتعدت فرائصي ومنعني الخجل من الدخول فذهبت إلى خيمة أخرى ووجدت الجزيرة كحمالة الحطب في جيدها حبل من الأخبار العاجلة،تأكدت حينها أنها لم تعد محاولة بل انقلاب ناجح،وكان ذلك أول تغيير أشهده بوصفي قد ولدت وترعرعت في زمن معاوية وأحفظ أغنية الكتاب والخير جان بمجيكم!
عدت في المساء متعبا وعلى كاهلي الكثير من الأسئلة من قبيل متى ينقطع الحبل السري الذي يربط بين تلك الدبابة وصناديق الاقتراع،حينما مررت بلجنة التفتيش المجاورة لنا،كان أفراد الشرطة يتحدثون بفخر،فرئيس المجلس العسكري هو مدير الأمن الوطني أعلى ولد محمد فال،كان صوت مذيع الBBC ثقيلا كأنه يتكلم من داخل الكهف وهو يتحدث عن الانقلاب من مذياع الشرطة،تمت تسمية أعضاء المجلس العسكري وكان اسم محمد بن عبد العزيز يمر خافتا من بين اسمائهم رغم أن سيلمع لاحقا،وهو شيء فات المحلليين في منابر الإعلام ساعتها،فعندما تعودون دائما لأرشيف أي حدث ستكتشفون أن تحاليل بعد المحللين السياسين الذين قد واكبوه أفضل منها تحاليل أهل "المرصة"،بخصوص الشعب الموريتاني فإنه كان سيخرج حتما،تنديدا أو تأييدا سواء نجح الانقلاب أم فشل،لأنه يمارس ردة الفعل فقط..
عدت وقد وجدت "لعجول تراظعو" للأسف بسبب تعقب أخبار الانقلاب "الناجح"،ضجت الأيام بعدها بالتفاؤل بعد إطلاق سراح المعتقلين وتفشي الحرية وبيان المجلس العسكري الممهد لمرحلة انتقالية نحو فجر الديمقراطية الكاذب،ففجرها الصادق لن يبزغ بعد!!
هنا أطار حي كنوال،والسماء صقيلة والشمس ساطعة فوق تلك المباني التي تؤدي التحية العسكرية لزوارها ولكل العابرين وبكل تودد،قبل أحد عشر عاما كنت قرب الجبال وأنا اليوم قرب الجبال أيضا،لكنني هذه المرة لا أراقب العجول والحمد لله إنها مهمة شاقة،تكاد تشبه مراقبة الدبابة حتى لا ترضع أثداء الديمقراطية...الساعة منتصف النهار و54 دقيقة،دمتم بخير.

أربعاء, 03/08/2016 - 13:54

          ​