بعد أن أسدل الستار عن الانتخابات الرئاسية المنظمة في 21 يونيو المنصرم، يزداد اهتمام المواطنين و الطبقة السياسية بالتوجهات السياسية للفائز في هذه الانتخابات، فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، و ذلك خلال مأموريته الجديدة.
في هذا الإطار، يذكر البرنامج السياسي لهذه المأمورية ـ برنامج الحملة الانتخابية ـ بحصيلة المأمورية الماضية و بشكل خاص بالإنجازات التي تحققت على مختلف الصعد كالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية، البنى التحتية، تعزيز الحريات العامة و حرية الصحافة، التعليم، الصحة، الأمن، إعادة تأهيل الأحياء العشوائية في المدن الكبيرة، النجاحات الدبلوماسية، إلخ.
بخصوص المأمورية الجديدة، يلتزم الرئيس بإصلاح جذري للعدالة بغية ضمان استقلالية و شفافية و فعالية و مصداقية هذا القطاع، كما وعد بتعزيز ولوج المرأة لوظائف السلطة التنفيذية. بخصوص التعليم، التزم الرئيس بإصلاح المنظومة التربوية الوطنية على المستويين الكمي و النوعي كي تستجيب لمتطلبات العصرنة و الثورة الرقمية و العولمة و لتصبح المدرسة العمومية بوتقة للتنمية و الوحدة و الرقي الاجتماعي. سيمكن هذا الإصلاح أيضا من ملائمة أفضل بين مخرجات التكوين و الحاجيات الفعلية لسوق العمل.
ينضاف إلى هذه التوجهات الكبرى عنوان بارزان هما تعزيز اللحمة الوطنية و تجديد الطبقة السياسية.
بخصوص النقطة الأولى، كرر الرئيس أثناء الحملة الانتخابية و بعد إعلان نتائجها أن صون الوحدة الوطنية سيكون أهم أولوياته. في هذا الإطار أكد على ضرورة محاربة النزعات القبلية و الجهوية و الفئوية التي تشكل تهديدا جديا للوحدة الوطنية و للسلم و التماسك الاجتماعيين.
و الواقع أن بعض السياسيين قد استغلوا جو الحرية الذي ينعم به البلد لترويج خطاب موغل في الخصوصية و مناف للمصلحة الوطنية. لقد نسوا أن معالجة الأمراض الاجتماعية التي يدعون محاربتها تتمثل في تبني مقاربة متوازنة و أكثر شمولية، تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية السياسية لمثل هذه المشاكل و كذا التجارب الناجحة في مجتمعات أخرى عرفت أوضاعا مماثلة، بدل الانطواء على الذات و اعتماد رؤية تقتصر، في أحسن الأحوال، على المجال الضيق لشرائح اجتماعية بعينها.
إن من يدافعون عن علم قبيلة أو جهة أو فئة ،مهما تكن، على حساب الوحدة الوطنية و المصالح العليا للأمة الموريتانية عليهم أن يفهموا أن نضالهم مصيره ـ لا محالة ـ الفشل المحقق. فالموريتانيون في غنى عن تذكيرهم بأصولهم الاجتماعية أو الجغرافية و عن إقامة الحواجز المصطنعة بين مختلف مكونات مجتمعهم، فما يحتاجونه بالفعل هو خطاب سياسي جدي و جامع يحمل لهم الأمل و يتجاوز التقسيمات التقليدية كما يسمح بخلق مجتمع عصري يسوده العدل و يشعر فيه كل المواطنين بأنهم متساوون في الحقوق و الواجبات أمام القانون.
أما بخصوص تجديد الطبقة السياسية، و هو شعار طالما ردده فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فما من شك في أن هذا التوجه سيكون قطب الرحى في السياسة التي سينتهجها في المأمورية الجديدة. لكن رغم وجاهة هذا الخيار الذي يجد تبريره، من بين أمور أخرى، في كون الشعب الموريتاني شعب شاب بالأساس، فإن تطبيقه على أرض الوقائع لن يكون مهمة سهلة. و مهما يكن من أمر، فإن إحالة قدامى السياسيين من مختلف الانتماءات و استبدالهم بكفاءات شابة ستكون ثورة بكل المقاييس و سترحب بها الغالبية المطلقة من الموريتانيين و تنتظرها بفارغ الصبر.
لقد آن الأوان للساسة القدامى و الذين بلغوا سن التقاعد أو الذين أخفقوا في إقناع الموريتانيين أن يسلموا الأمور العامة لمن هم أحدث سنا منهم كي يتقدم وطننا العزيز بكل ثقة و ثبات بعد ضخ دماء جديدة في جسمه.
الدكتور أحمد ولد المصطف
أستاذ بكلية الآداب و العلوم الإنسانية / جامعة نواكشوط