إنه «المعهد الموريتاني لخدمة العصرنةقد أنشئ سنة 2009 وهدفه الرئيسي هو تعزيز ثقافة العصرنة بنشر التربية المدنية داخل المجتمع بجميع شرائحه، وذلك بالقيام بمجموعات من النشاطات التكوينية هدفها تغيير العقليات من أجل نفاذ المواطن إلى مواطن مدني متمسك بقيمه ومتعلق بواجباته وعارفا بحقوقه.إن توعية المواطن تعتبر أولوية أساسية للنهوض ببلد ما.
عندما تتحدث عن العصرنة ما ذا تعني بذلك؟
أنا من بين أولئك الذين يعتقدون أن مشاكلنا كلها في العالم العربي والإسلامي سببها النقص في الحداثة وهذا له أسباب تاريخية لأن العالم العربي الإسلامي الذي كان متقدما بعلمه وتقاليده الفاضلة قد تقاعس وأصبح يعيش في مجتمعات منظمة حول هياكل تطبعها الإقطاعية والقبلية والعصبية وسيطرةالعنف.وكان هذا تخليا عن تعاليم الإسلام الصحيحة التي تدعو إلى الممارسات التي تقودها العدالة والإنصاف وفضائل المعرفة والسماحة، كما أمرنا الرسول بذلك عليه الصلاة والسلام. وقادت هذهالتعاليم لديننا الحنيف الحكام آنذاك الي البحث عن العلم مترفين من معين الثقافات التي سبقتهم حيث ترجموا مؤلفات افلاطون وأرسطوالفلسفية وكتب الرياضة لإقليدس ، وهكذا تمكن المسلمون من تطوير الرياضات والعلوم الفلكية فاخترعوا الاسطرلاب ( الساعة المائية) واستجلبوا من الصين ورق الكتابة والبوصلة وآلة الطباعة الخشبية التي سيطورها فيما بعد الألماني "كيتا مبرك" وهذا يؤكد حرصهم على امتثال قوله صلى الله عليه وسلم اطلبوا العلم ولو في الصين " ثم برع المسلمون بعد في هذه العلوم باختراع جابر بن حيان علم "الجبر" والخوارزمي "اللوغاريتمات" لكنهم للأسف تركوا هذا الاتجاه في القرن الثاني عشر ميلادي حيث أصبحوا في انحطاط مستمر طابعه الأساسي التقاليد الجاهلية رغم دعوة دينهم الحنيف إلى نبذ ذلك.
على وجه التحديد فيما ذا تجسدون هذه الحداثة؟
الحداثة هي تغيير العقليات التي تجنب الانتساخ اللانهائي بالمسلكيات القديمة لمجتمع ما. إن الحداثة تستبدل الماضي بمسلكيات جديدة أكثر عقلنة مانحة فرصة لتغيير مسطرة قواعد الحياة الاجتماعية للتحرر من العادات السلبية.
إن معهدنا يهدف مع الآخرين إلى التحرر من المسلكيات القديمة عن طريق التكوين المدني للسكان بجعلهم مواطنين مسؤولين قادرين على العيش في ديموقراطية حقيقية، لقد أنجز المعهد اثني عشر كتيبا تتناول جوانب عديدة من التربية المدنية. فنحن نعتبر أن المسؤولية الوطنية هي الطريق الرئيس لازدهار وكرامة الأمم لأنها تساعد المواطن على معرفة واجبه وحقوقه مما يدفعه إلى القضاء على التخلف والظلم.
هل حصل معهدكم على دعم من السلطات؟
أقول بأني لم أحصل على التجاوب المرتقب. وكان من المنتظر أن يتم هذا التجاوب من وزارة الشؤون الاقتصادية ووزارة التهذيب والشؤون الاجتماعية والشباب. وشعرنا بنوع من التحفظ مبكرا،عند بعض المسؤولين حيث أن من بينهم من يسخرون مما نحن فيه قائلين بأن محاولة تغيير العقليات مضيعة للوقت، ومنهم من هو مقتنع به، لكن معرفتنا بالأحوال السائدة جعلتنا نتأكد أن عدم هذا التجاوب ناجم عن عدم الضوء الأخضر من طرف الحاكم أو الحكام.
وما هي الآفاق الآن بالنسبة للمعهد؟
في الوقت الراهن قد تم نشر كتابين من هذه الكتيبات، والآن الكتاب المسمى "دليل المواطن الشاب" قيد الطبع،والآن إلى حد ما حصلنا على الاعتراف بخبرتنا خارج البلد في هذا المجال ولذا ساهمنا عام 2014 خلال زيارتنا لنيجيريا بوضع بعض المناهج المدرسية المتعلقة بالتربية المدنية وذلك في إطار برنامج للاتحاد الأوربي لدعم الأمن والاستقرار في نيجيريا -European Union TechnicalAssistance to NigerianSecurity-.
والآن دعونا نتقدم لمعرفة وجهة نظركم في ما يدور في الساحة كالقمة العربية التي عقدت للتو؟
أعتقد أن هذه القمة كانت تحديا وفي نهاية المطاف كانت ناجحة فالأمن كان مستتبا وهذا مهم في وقتنا الراهن، كان هنالك غياب لملوك ورؤساء انتدبوا ممثلين عنهم، لكن في نفس الوقت كان هناك حضور معتبر لأمراء: قطر،الكويت، ولرؤساء كالرئيس السوداني والسودانهو ثاني بلد عربي من حيث السكان وثالث دولة إفريقية من حيث المساحة وهي دولة تربطنا بها علاقات ثقافية تاريخية كما تربطنا بها علاقات اقتصادية كذلك. فالقمة هي تجمع لرؤساء وملوك دول ولا أكثر، ويجب ألاتتعدى حدها. في الميدان السياسي والدبلوماسي إذا أعطيت حدثا ما حجما أكثر من حجمه تكون لذلك عواقب سلبية قد تؤدي إلى نوع من الازدراء من البعض، ويجب علينا ألا ننسىأن الوسائل المتواضعة ليست عائقا فالمفتاح هو الثقة في النفس وعلو الهمة.
يجب أن نتذكر أن موريتانيا تحت نظام المختار ولد داداه نظمت قمة لـ ـ14 رئيس دولة إفريقية قبل 51 سنة في 12 فبراير 1965، وآن ذاك لا يوجد في العاصمة إلا فندق واحد هو مرحبا، وقد انعقدت هذه القمة التي أنشئ فيها ما يسمى "المنظمة المشتركة الإفريقية والمتلاشية" OCAM بحضور ليبول سيدار سنغور،هويتبونيي، نيكولا كرينيسكي، موريس يامي أوكو، هاماني ديوري، فرانسوا تومبول باي، أحمد واهي جو،دافيد داكو، ليؤون با،وفيلي بير سرانانا. وقد احتضنت نواكشوط قمة دول غرب إفريقياCEDAO سنة 1986 و المغربي العربي سنة 1992.
ما هو تصوركم للحوار المرتقب؟
شخصيا لم أنخرط في أي حزب سياسي الآن ، والحوار مبدأ حكيم في السياسة ، في بلدنا نتكلم عن الحوار منذ زمان بدون أن نرى أي خطوة ملموسة تجاهه ، إن الحوار الصريح الموصل إلى نتيجة صعب المنال في العالم الإفريقي والعربي ، والسبب هو أن المتمسكين بالسلطة من النادر تقديمهم تنازلات ، أما المعارضة ففيها من يطبعه الاستعجال وفيها من يهيمن عليه الحذر ، بينما الهدف من الحوار هو إيجاد حلول للقضايا المهمة التي يواجهها البلد لكن المسؤولية الرئيسية لنجاح حوار ما تقع على عاتق النظام لأنه هو الذي يجب عليه تقديم تنازلات ولأنه هو الذي بيده الزمام .إن الحوار الجامع والسليم يجب أن يوصل إلى ترسيخ دولة القانون وتوطيد الحريات العامة واحترام القوانين وحقوق المواطنين. ويجب أن يؤدي إلى تعزيز المؤسسات العمومية: التشريع، الإدارة، العدل، مما يقود إلى ترسيخ الديموقراطية، ويجب أن يقود إلى إصلاحات تؤمن عدالة اجتماعية حقيقية وتحظر استغلال البشر.
لقد جدد الرئيس دعوته للحوار مقترحا إلغاء مجلس الشيوخ الشيء الذي يفتح باب تعديل الدستور
أعتقد أن الرئيس غولط في اقتراح حل مجلس الشيوخ، مجلس الشيوخ مؤسسة مهمة في بلد كموريتانيا لأن الشيوخ لا يمثلون السكان بل يمثلون المجموعات المحلية والرقعة الترابية لأن كل بلد يتكون من شعب وأراضي وطنية ومجلس الشيوخ يمثل أيضا الجاليات الموريتانية القاطنة في الخارج،ونعرف دور هذه الجاليات في حياة البلد. يجب معرفة أن دولة ما يوجد فيها نوعان من المؤسسات: المؤسسات المصنفة التي يجب تقويتها على الدوام كالمؤسسات السياسية والاجتماعية والقضائية والاقتصادية .إلخ أما المؤسسات الغير مصنفة التي توجد على الصعيد الذهني والمسلكي والتي ما زالت باقية متخلفة عندنا يجب ملاءمتها مع العصر لكي تتماشى مع المؤسسات القائمة.لأن المؤسسة الغير مصنعة ما زالت تطبعها القبلية والمحسوبية والزبنيةوالجهوية.إن رئيس الجمهورية حين قام بخطابه في النعمة كان أمامه تجمع من البشر تتجاذبه النزعات التقليدية حيث كل تجمع يحاول إبراز قوته ، كما يحدث في أي ولاية يزورها.في محيط كهذا هل من المناسب الإعلان عن حل مؤسسة مصنفة لترك الفضاء لمؤسسات غير مصنفة كما ذكرنا من قبل، إن هذا لا يناسب دولة حديثة وعادلة.
لكن الرئيس أعلن عن إنشاء مجالس جهوية ستقوي المؤسسات
إن هذا القرار خطأ هو الآخر لأن التنمية المحلية لا تقام على مستوى الولاية بل على مستوى المقاطعات لأن المقاطعة تحتاج إلى هيكل كمجلس يشرف على التنمية المحلية لأنه في الوقت الحالي لا يوجد أي جهاز يربط البلديات فيما بينها وينسق العمل التنموي على مستوى المقاطعة ، وهذا المستوى المحلي هو الذي تتم فيه التنمية ويحتاج إذاً إلى كثير من الاهتمام .إن الولاية يديرها وال وهو نفسه لا يدير مجموعة ترابية لكنه ينسق النشاط ويشرف عليه ، فإنشاء مجلس على مستوى الولاية سيثقل الكاهل الإداري بدون أن يكون له وقع على الصعيد المحلي الذي يختلف من مقاطعة إلى أخرى داخل نفس الولاية ، فالمشاكل مثلا المطروحة على مدينة كرمسين تختلف عن التي هي في واد الناقة وتختلف المشاكل التي في هذه الأخيرة عن التي في المذرذرة ، وبصفة أخص فإن المجالس الجهوية لا تليق بوضعية دولة ما تزال في مرحلة توطيد وحدتها الوطنية لأن هذه المجالس يمكن أن تكون قناة إلى الجهوية .وأقول بأن المجالس ينبغي أن تكون على مستوى المقاطعات.وحتى المقاطعات في نواكشوط و عواصم الولاياتنفسها تحتاج إلى مؤسسات قاعدية على مستوى الأحياء أو المناطق من أجل التأطير الإداري والاجتماعي. إذا أخذنا مقاطعات نواكشوط هل تعتقدون أن السكان يتوفرون على خدمات عن قرب؟ هل يمكن للحاكم أو العمدة وحدهما أن يحلا المشاكل المطروحة على المواطنين؟ لنأخذ مثلا الحالة المدنية، هل فيه مسؤول مكلف بتسجيل أولي للحالات فور وقوعها: الولادة، الوفيات، الزواج، الطلاق، لكي يرفعها للسلطات الإدارية على مستوى المقاطعة لتسجيلها؟ الجواب:بالطبع لا،لأن النساء في الأوساط الشعبية لا تتوجه إلى مراكز الأمومة للولادة، سيكون عندنا سنة 2016 أطفال من المرتقب أن يكون تاريخ ميلادهم 31 ديسمبر مثل آبائهم و امهاتهم، الأحياء والمناطق تفتقر إلى مسؤولين عن الوقاية والصحة والبيئة لرقابة المياه الراكدة، غلق الطرق، القمامات، أو باللبِن المبعثر أمام ورشات البناء بشكل فوضوي. هل فيه مسؤول عن الأمن في الحالات المستعجلة: الاتصال السريع بالشرطة أو الحماية المدنية؟ إن انعدام مؤسسات صغيرة قرب السكان يترك المجال واسعا للنشاطات الغير مصنفة مثل العلاقات عبر شبكات يطبعها الاسترزاق وابتزاز المواطنين .
لكن البرلمان مكلف على مستوى الميزانية. إن بلدا كالسينغال قد تم القضاء فيه على مجلس الشيوخ.
في الواقع هذا حز في غير مفصل، حينما نقرر القضاء على مجلس الشيوخ فالمشكل يوجد في الجمعية الوطنية التي تأوي 145 عضوا لسكان يعدون 3.500.000 نسمة فجمعيتنا الوطنية أكثر من ربع أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية بينما سكان فرنسا يضاعفون 20 مرة سكان موريتانيا، والجمعية الوطنية في موريتانيا لها نفس عدد الجمعية الوطنية في السينغال في الوقت الذي سكان السينغال يفوقون سكان موريتانيا 4 مرات إذا تقليص التكاليف ينبغي أن يكون في الجمعية الوطنية. فعلا السينغال قد قضى على مجلس الشيوخ لكن موريتانيا تختلف عن السينغال فمساحة موريتانيا تفوق مساحة السينغال 5.5 مرات وعدد المقاطعات أكثر في موريتانيا منه في السينغال، ولذا فإننا هنا نذكر بالمنطق السابق المتعلق بالتمثيل الترابي.
إن حصيلة الرئيس خلال السنوات الثمانية الماضية إيجابية في شتى المجالات. ما رأيك؟
لسنا الآن في وقتتقييم الحصيلة لكنني أقول بأن الحصيلة إيجابية مجال الأمن حيث نجينا من الإرهاب و من سلبيات ما سمي بالربيع العربي ، وهي عبارة عن حركات تمرض ضد الظلم والاستبدادلا كنها ناقصة التأطيرو لذا مصيرها الحتمي الفشل و الحصيلة إيجابية في ميدان البنى التحتية.فقد تم تشييد الكثير من الطرق والبنايات والمستشفيات ومطار دولي جديد وبنايات لجامعة جديدة كما تم ربط العديد من المدن في الداخل بشبكات طرق عديدة، وفي ميدان المياه والكهرباء تمت إنجازات مهمة في المدن وبعض القرى الريفية، وقد نجم عن هذا فك الحصار عن الكثير من المقاطعات التي كانت معزولة، وساهم ذلك في انتعاش التبادل. وفي مدينة نواكشوط خاصة انتشرت شبكات من الطرق. فعلى سبيل المثال المناطق الجنوبية من نواكشوط كانت معزولة بسبب انتشار الكثبان الرملية والآن أصبحت مرتبطة بقلب المدينة بفضل مد هذه الطرق كما تمت كهربة بعض الشوارع بالطاقة الشمسية والهوائية تمشيا مع متطلبات المحافظة على البيئة. والخطأ الوحيد الذي ارتكب في تشييد طرق نواكشوط هو إزاحة الحاجز الفاصل بين الاتجاهين داخل الشوارع حتى الشوارع التي تؤدي إلى الخروج من المدينة،وكان لذلك انعكاسات سلبية، فالشوارع الرئيسية تشهد اختناقات دائما حيث ترى 4-5 سيارات في اتجاه واحد مسببين تعطل السير في الاتجاه المعاكس، وهذا الاختناق يدوم بعض الأحيان فترات طويلة تسبب ضياع الوقت واستهلاك البنزين مما يضر بالبيئة.إن وجود الحاجز بين الاتجاهين إيجابي لأنه لو أبقي مع الاستثمارات الحالية لكانت حركة مرور السيارات أحسن وألذ، لأن وجود هذا الحاجز له الفوائد التالية:
انسيابية المرور، عمود إنارة واحد يكفي الاتجاهين، كان ملائما للبيئة للأشجار التي كانت توجد داخله،كان يسمح للمارة باجتياز الشارع في مرحلتين. والنظام القديم يعطي مجالا لمد شبكات عديدة داخله كالصرف الصحي والمياه والكهرباء، لكن الناس حينما رأوا الشوارع تتوسع فرحوا بهذا الإنجاز وتجاوزوا به حده، واليوم نرى ضرورة الرجوع إلى نظام الفصل بين الاتجاهين، فسائقو السيارات لعد وعيهم المدني لا يمكن ردعهم عن طريق الخط الأبيض الفاصل بين الاتجاهين.
أما الحصيلة في ميدان ما يسميه الأنجلوسكسونيون بــ SOFT الذي يتعلق بالموارد البشريةفإن الحصيلة دون المستوى ويتعلق الأمر بالتعليم، تقوية قدرات الإدارية، التكوين المدني داخل المؤسسات وفي المجتمع،الحكامة،التوجه السياسي لحل القضايا المتعلقة بالوحدة الوطنية وترسيخ العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، اندماج الشباب،مكافحة الغنى السريع الغير مبرر،نقل التجربة بين الأجيال التي تعتبر من ركائز البناء الوطني. إن الموارد البشرية هي العنصر الأساسي في بناء أي وطن أكثر من أي عنصر آخر.
السفير التيجاني محمد كريم