إلى لقاء!/خالد الفاضل

نظرا لدنو الملل من قلبي ولتساقط أوراق البهجة من رؤوس أصابعي،فإنني لن اتخذ قرارا بالإعتزال كما يفعل البعض هنا،فجميع القرارات التي اتخذتها في حياتي كانت فاشلة،وكان آخرها كتابة روايتي الأولى،فعندما وصلت للصفحة الأولى بعد الثلاثين،اكتشفت أن بطلها طموح ومتهور ويود القيام بأشياء لم أجربها-منها السفر عبر الطائرة-فشعرت بالغيرة منه فقررت أن أقتله وانزع منه البطولة.

إنني غارق في نفسي،يوم أمس ذهبت للتسوق من أجل شراء منظار وجوارب،نجحت في شراء الجوارب لأنها كانت رخيصة جدا،بينما اخفقت في شراء المنظار لقد كان باهظ الثمن،ربما ظن ذلك التاجر الطيب أنني سائح داكن،فليس من عادة الموريتانين شراء "المناظير" لأنهم لا يكترثون كثيرا لتقريب الأشياء البعيدة لرؤيتها.


الحقيقة أنني أردت المنظار لمراقبة صغار العجول في البادية ولتقريب الأفق عندما أجلس على قمة الجبل الكبير،ذلك الجبل الذي تعلمته من أشياء كثيرة لم اتعلمها من الناس،إنه وفي لصداقتنا القديمة،فهو ينتظرني دائما في نفس المكان دون أن يُغير من ملامحه،وعليه فقد صدر الفرمان التالي:


أعلن أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا،أنني سآخذ راحة بيولوجية تطول وتقصر حسب مشيئة الله وذلك تأسيا بالبحارة،فبطارية وجداني باتت ضعيفة وبحاجة ماسة للشحن،بعضهم سامحه الله يظنني جريدة الصباح،لذا يتوقع مني خاطرة كل يوم،حتى ولو كانت بلا موضوع مثلها مثل معظم خرجاتي.

ليلة البارحة اسقطت صحنا من الماكرونا وأنا أنزل من أعلى السلم،لأنني كنت شاردا ابحث عن الحصاد الذي جنيته من التعقل والحكمة طيلة تلك الأعوام،فخطيب المسجد المجاور يهددنا كل جمعة بالموت وكأننا نراه بعيداً،إننا نراه أقرب من ذلك بكثير إنه يسكن في أجسادنا،ففي كل ثانية تموت مئات الخلايا في كتلتنا الحجمية التي تشغل حيزا في غاية الصغر من هذا الكون الفسيح،وما أعمارنا إلا نقطة في كتاب كبير اسمه الحياة.


لا أريد أن أطيل لكنني سأطيل على كل حال،لقد علمتني وزارة التعليم الثرثرة،بعدما كنت أقضي عدة ساعات دون أن انبس ببنت شفة،لقد صدقت تلك الحكمة التي تقول:"إذا الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب"،لقد سكتُ كثيرا لكنني لم أعثر على الذهب،ربما الخلل كان يكمن في أنني لم أميز الفرق بين السكوت والصمت،سنتجاوز القضية حتى لا نقع في فخ الأسئلة وهو شيء خطير في بيئة تكره الأسئلة والتدبر والتفكر،لذا سندخل في صلب الموضوع إن كنا قد دخلنا الموضوع أصلا،المهم أنني سأذهب إلى باديتنا وهي مستوطنة تقع في أطراف مدينة لعيون-الموطن الأصلي لذاكرتي-وأول أرض نظرت عيوني لجبالها وأشجارها وتذوق لساني خبزها وامتلئت رئتي من هوائها،وعليه سأرمي هاتفي الغبي في قاع حقيبتي قرب بطاقة التعريف وجواز السفر إلى أجل غير مسمى،لأكتفي بتصفح معالم الطبيعة والدردشة مع القمر والطيور والزواحف والتفاعل مع الشروق والغروب والغيوم..


لذا نلتقي بعد الراحة البيولوجية هنا أو في العالم الآخر،واعتذر من صديقي الطبيب الذي نصحني بعدم الإفراط في تناول لبن البقر وأكل الشحوم ونصحني بالشرشم،اعتقد أنني لن أموت قبل أن أموت يا طبيبي ولا أخطط أيضا للإحتفال بمرور مائة على استقلال الوطن في شتاء 2060 رغم أن عمري لحظتها سيكون 75 سنة فقط،لأنني لا أريد أن أكذب على تلك الأجيال وأخبرهم أننا تفانينا كثيرا في خدمة الوطن،بينما نحن كنا مجرد لصوص...
هنا نواكشوط الشمالي(الحي الإداري)،أوصيكم بتقوى الله بعيدا عن المراء،كما أوصيكم أن تعيشوا كل لحظة على حدة،وأن ترقصوا وحتى إن كان الوقت ليس مناسبا لذلك،لأنكم قد تخسرون رصيد عمركم وأنتم تبحثون عن الوقت المناسب لتفعيل أمنياتكم...


الصورة المرفقة من باديتنا حتى لا يقول البعض أن اتخفي عن الضيوف،فلدي كهف أو مغارة بعبارة أخرى تتسع للجميع بما فيهم الرؤساء العرب لربما يقررون إعادة القمة،فكل الأشياء التي تحدث هنا تتم إعادتها بنفس السيناريو،طابت أوقاتكم جميعا،الساعة 12:39

اثنين, 22/08/2016 - 20:25

          ​