مقال مثير "لا وجود لحدّ الرجم كعقوبة للزاني والزانية في القرآن"

قال بنسالم حميش، روائي وشاعر ووزير الثقافة السابق، إنه لا وجود لحدّ الرجم كعقوبة للزاني والزانية في القرآن، والذي يحيط عقوبة الجلد باشتراطات صعبة التحقيق، إذ لا يصح إلا تعويضها بأخرى لا تمس بالسلامة البدنية، فتصير من اختصاص القانون المدني".

 

ودعا حميش، في مقال خص به هسبريس ووسمه بعنوان "حيث طارق رمضان ضل وأضل"، فقهاء التشريع الإسلامي ومفكريه أن يحسموا نهائيا في شأن عقوبة الزنا"، منتقدا المفكر طارق رمضان لكونه ضل وأضل شرائح عريضة في الغرب، عندما اعتبر أن عقوبة الزنا هي الرجم وتعني الزانية وحدها".

وهذا نص مقال بنسالم حميش كما ورد إلى الجريدة:

حيث طارق رمضان ضل وأضل

 

بناء على الترغيب الالهي: ﴿الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب﴾ (39/18، وكذلك الأمر بذلك في الآية 55)، يحسن بفقهاء التشريع الإسلامي ومفكريه أن يحسموا نهائيا في شأن عقوبة الزنا، وذلك أولا لأن الرجم لم يرد البتة في القرآن وفهارس ألفاظه، وليس له فيه أي قرابة مع مشتقاته السبعة من الفعل الثلاثي؛ وثانيا لأن النص البيّن الختم إنما هو في سورة النور، لا في غيرها: ﴿والزانية والزاني فاجلدوا كلَّ واحد منهما مائة جلدة﴾ الآية، وهذه الآية2 تعزز صدارتها وأولويتها الآية1 التي تصف سورة النور هكذا: ﴿سورةٌ أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آياتٍ بيّنات لعلكم تذكرون﴾.

 

ليس هذا فحسب، وإنما لا بد من التأكيد على أن حد الجلد، الذي بخلاف الرجم لا يستتبع الموت، تعترضه هو نفسه صعوبات في التطبيق جمّة، أي من حيث وجوبُ معاينة الجنحة من طرف شهود أربعة لا أقل، على أن يكونوا رجالا من أهل العقل والتقوى، وهو شرط يكاد يستحيل استيفاؤه. هذا علاوة على أن القاذف في المحصنات أي الشاهد بالزور يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل من بعد شهادته أبدا، كما في النص القرآني(24/4).

 

إن ذلك الحسم التقريري المؤيد شرعا وعقلا أمسى ضروريا ومستعجلا، لا سيما بعد الضجة التي أثارها المفكر والداعية طارق رمضان حين ضل وأضل في الغرب شرائح عريضة من الخاصة والعامة، إذ تكلم في الموضوع كما لو أن عقوبة الزنا هي الرجم وتعني الزانية وحدها، التي لا كلام في الضجة إلا عنها، فلم يتعنَّ الأستاذ في جامعة أكسفورد الرجوع إلى الأصول، ولا حتى إلى مرجع سهل الإقتناء، هو قاموس القرآن الذي أشرف على إنجازه البحاثة الخبير محمد علي أمير- مُعِزّي وحرر فيه محمد حسين بنخيرة مادة "الرجم" حيث نفى وجود هذه العقوبة في المصحف العثماني(1). وعوض ذلك دعا رمضان أمام الملأ علماء الإسلام إلى اجتماع تناظري يتوخى تعليق الأمر بالرجم. فما كان من نيكولا ساركوزي، وكان وقتها في 2003 وزيرا للداخلية، إلا أن اغتنمها فرصة في مقابلة تلفزية مع صاحبنا للإجهاز عليه ببالغ الاستنكار والتقزز صائحا: المرأة عندكم ترجم، وأنت تدعو إلى موراتوار!

 

قلنا إن إثبات الزنا بالحجج والمواصفات المذكورة بالغ الإشكال والصعوبة، ولا أدل عليه من شكوى محرجة تقدم بها بعضهم إلى الرسول الأكرم، وهي: «أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم. وإن سكت سكت على مثل ذلك، وإن ذهب ليأتي بالشهود انتهى كل شيء؛ فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يجب عن هذه الشكوى»، فلم يرفع عنه الحرج إلا نزول الآيات 6-9 من سورة النور ﴿الذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين﴾ الآيات.

 

وبهذا لا يكون أمام الزوجين إذا تشبث كل واحد بموقفه إلا اليمين أربعا ثم يحق عليهما طلاق اللعان والتفريق من دون رجعة؛ وإذ نضيف إليه طلاق الخلع وما شابه نصبح، كما هو الحال في معظم البلدان الإسلامية، في غنىً عن حدِّ الجلد نفسه الذي إنما نزلت الآية به للتخويف والردع الاستباقي لا غير، سيما وأنها جاءت بعد الآية 15 من سورة النساء ونسختها، كما أنها نسخت أخرى ضائعة قيل إنها كانت تقول بالرجم.

 

إن خيار الأحسن في مسألة الزنا، التي يستغلها مناوئو الإسلام وخصومه لتمريغ وجهه في الأوحال، لا يستند إلى نصية الآية المذكورة وحدها، وإنما أيضا إلى احتجاج بعض السلف كالخوارج بما أورده الفخر الرازي في تفسيره، وبعض المعتزلة كالنظام وأتباعه.

لكن، فضلا عن ذلك كله، لنتذكر ما رٌوي في الإنجيل عن يسوع المسيح حين جيء إليه بامرأة ضبطت في حالة تلبس بالزنا، وقال له معلمو الشريعة أن موسى أوصى في تعاليمه برجم أمثالها، فكان جوابه: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجرة». فانسلوا تباعا مهرولين، حتى إذا بقي مع المرأة قال لها: «أنا لا أحكم عليك. اذهبي ولا تخطئي بعد الآن». فحاشا أن يكون رسول الإسلام، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، أقل من عيسى ابن مريم رحمةً وسماحة، أو أن يكون أمَرَ بالرّجم أو رَجَم، كما في بعض الأحاديث المنافية لشيمه الحميدة وسنته السَّنية.

 

وحتى في الديانة اليهودية التي توصي شرعة توراتها برجم الزانية الأمَة حصريا (وأصل كلمة زنى عبري)، فإن تطبيقه لم يعمّر طويلا، هذا علاوة على أن في دولة إسرائيل اليوم لا نسمع أو نرى أيّ أثر لتلك الوصية، بالرغم من أنها تعلن عن يهوديتها أصلا ثابتا ومؤصلا.

 

وإذِ الأمر كذلك فما بالنا بالإسلام حيث لا وجود لحدّ الرجم في قرآنه، والذي يحيط عقوبة الجلد باشتراطات صعبة التحقيق، فلا يصح إذن إلا تعويضها بأخرى لا تمس بالسلامة البدنية، فتصير بناءً عليه من اختصاص القانون المدني بسلطاته التعزيزية والتقديرية. وهذا وسواه هو ما يحسن أن يقف عليه ويتأمله طارق رمضان، طلبا للتصحيح والمعذرة.

ثلاثاء, 08/07/2014 - 12:33

          ​