تميزت مدينة انواذيب بعد الاستقلال بمرحلة رفاه اقتصادي ناتج عن ثورة اقتصادية اساسها الاستثمار الاوربي غربا وشرقا وأنعشت الحالة العامة للبلد حيث استوعبت مئات العمال من الموريتانيين القادمين حينها من الجنوب والشرق الموريتاني وكانت الهجرة اليها بطئية مقارنة بنواكشوط مما جعلها عصية على المعدمين والفقراء في الهجرة اليها .
وبعد وجود طرق متيسرة عبر القطار وشاطى البحر بدأت الهجرة اليها بشكل جنوني حيث وصلت افواج متتالية بعد الجفاف وكذلك بعد انتهاء حرب الصحراء وبداية المسلسل الديمقراطي وانجاز طريق المعبد بين انواذيب وانواكشوط وبدات ملامح التكاثر السكاني من دون تخطيط ومن دون وضع دراسات او برامج استيعاب للألف المهاجرة يظهر الى العلن واستفحلت بظهور الاكواخ العشوائية او ماسمي الكزرات حينها فحاولت الحكومات المتعاقبة تخطيط للأرض من دون وضع بنى تحتية ملائمة للعيش ورحلت للآلف اليها وتجاهلتهم عن قصد سياسي وذلك لان اكثرية الفقراء والمهمشين من الطبقات المسحوقة محسوبة على المعارضة التى صمدت عشرات السنين في المدينة وكانت لأنظمة المتعاقبة تعرف تلك الحقيقة مع زيادة الوعي للطبقات العاملة وصغار الكسبة والحرفيين والمدرسين جعل المدينة محور للشر عند النظام الحاكم فكان بقصد او غير قصد يتجاهل المدينة من كل حيثيات العمران فلا مستوصفات في المستوى المطلوب وفي متناول الفقراء وجدت ولا المدارس اعطيت لها عناية ولا المدرسين شجعوا على التدريس النظامي ولم تسعى الدولة الى حث الشركات العاملة في الصيد الذي يعتبر الشريان المتميز للسكان على تشغيل للآلف من العاطلين وغيبت مؤسسة البلدية الخدمية عن عمد والتى يحتاجها المستضعفين والمحتاجين وكل ساكنة انواذيب .
ولأدهى من ذلك ان الدولة سعت الى افشال أي انتخابات شفافة بفرض عمد معينين في صالح النظام الحاكم حتى انها استخدمت عصى التمييز والعنصرية من اجل انجاح مرشح عن اخر مما جعلها مشاركة في التفرقة الاجتماعية للمدينة وقسمتها الى طبقات وشرائح غير موجودة اصلا ورسخت القبلية والجهوية بتشجيع تكتلات القبلية والجهوية لإفشال خصومها وضايقت الاطر والعمال وصغار الكسبة في المدينة وفرضت عليهم لانتساب الى الحزب الحاكم ولو من دون قناعة مما سيخلق يوما ما هزات بنيوية للحزب في المدينة .
اما العمال والبحارة فهذه الطبقة تعانى لأمرين البطالة وهضم حقوقهم القانونية في الصحة والتامين والتقاعد والعمل الدائم اما التجار ورجال الاعمال فهم عرضة لزيادة الضرائب بشكل جنوني ومن دون تشاور مع الفاعلين الاقتصاديين وهذا سيجعلهم يفكرون في نقل اموالهم واستثماراتهم الى الخارج اكثر امان وازدهار وتشجيعا للرأس المال اما الطلاب والشباب فهم الوقود الذي يوم ما سيشتعل ويكون كارثة على الجميع فالتعليم مهمل والنقل غير موفر والملاعب معدومة والمنتزهات غائبة ودور الشباب مكبات للنفايات ومراكز التكوين مقبرة للفاشلين اما صغار الكسبة والحرفيين فهم يعانون الويل والمصائب واحدة تلو لأخرى فلا هم تم تشجيعهم ولاهم تم منحهم قروض للاستمرارية ونماء وإنما تركوا للعولمة المتوحشة ومع كل هذه الاهوال المرتقبة تبقي مدينة انواذيب تئن تحت وطأة الاهمال والتجاهل والإقصاء المتعمد صامدة بسكانها بكل شرائحهم كما وقفوا في وجه المستعمر البرتقالي والفرنسي والاسباني وكل من هم او أوهم نفسه بتدمير تلك المدينة ونهب خيراتها من دون دفع الثمن غاليا فهو واهم ومصيره الزوال والفناء .