من الصعب جدا أن يوافق الشباب اليوم على النظرية التي تقول إن "الفشل طريق للنجاح" أو على الأصح من الصعب أن يستفيدوا منها في واقع حياتهم العملية ، فكثير منهم و بمجرد أن يحاول ولم يحالفه الحظ ، تضيق عليه الأرض بما رحبت ويتلبد أمامه الواقع بالغيوم ويتشاءم إلى أبعد الحدود ...
وأحسنهم طريقة ذاك الذي يبدأ بالتفكير في البديل ويصب لعناته على الموضوع الأول الذي وقع فيه الإخفاق ، ويشمئز من كل حديث حوله أو سؤال عنه ... أما الأغلبية فينزعون بسبب "الفشل" إلى الخوف من أي محاولة جديدة خوفا من زيادة رصيد "الفشل" ظنا منهم أن الفشل معرة ومذمة ... والحقيقة غير ذلك بالنسبة لي - في الغالب - لأنه ليس من العدل أن نطلق هذا الوصف "وصف الفشل" على من بذل الوسع وأخذ بالأسباب المتاحة ... فـــ"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" و "وليس يلام المرء في مبلغ الجهد" و" وعلينا البذر وعلى الله الإنبات "... ثم إن الرزاق العليم قد قال في محكم التنزيل "إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" ، وقد روى بعض أهل العلم في سياق نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا وحياله جحر ، فقال : " لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه ، فأنزل الله هذه الآية" ... وقد تواتر الثقات أن تكرار المحاولة مرة بعد مرة قد يؤول إلى نجاح باهر وتمكين راسخ وهمة عالية ... وذلك دأب أهل الفضل والتميز وعلو الهمة ... والمعاودة سنة كونية متلازمة مع صفة الصبر التي قد بشر أهلها من رب رحيم كريم رزاق ودود ... ثم إن المرء لا يدري في أي النشاطات تكون البركة ... فكم من شخص بذل جهودا مضنية في أمر معين معتقدا أن فيه المصلحة والسداد والفوز... لكنه لم يوفق فيه فحزن وتشاءم واسود ت الدنيا من حوله ... ثم تراه بعد فترة يقول بملء فيه أحمد الله أني لم أوفق في كذا لأني لو وفقت لما حصل كذا وكذا من خصال الخير ... ولوقع لي كذا وكذا مما لا يحب ... والقصص في هذا الباب كثيرة ... وقد مرت بي شخصيا نماذج ذاتية من هذا القبيل ، لكني أفضل هنا سوق قصة طريفة هي من آخر ما قرأت ، وأعتقد أن لها معنى في الفشل المبطن بالتوفيق ، - وللأمانة فسألصقها مثلما و جدتها - و هي: أن رجلا عاطلا عن العمل قد تقدم لشغل وظيفة منظف مراحيض فى إحدى الشركات الكبيرة ، وأخذ موعدا لمقابلة مدير الشركة وفي أثناء المقابلة قال المدير للرجل العاطل عن العمل :إنك قُبلت في الوظيفة ، لكننا نحتاج إلى بريدك الإلكتروني لنرسل لك عقد العمل والشروط ...فردّ الرجل العاطل عن العمل إنه لا يمتلك بريدا الكترونيا وليس لديه جهاز كمبيوتر في البيت ...فأجابه المدير ليس لديك جهاز كمبيوتر !! يعني أنك غير موجود وإن كنت غير موجود يعني أنك لا تستطيع العمل عندنا ...خرج الرجل العاطل عن العمل مستاء أشد الاستياء ... ثم ذهب إلى السوق و اشترى بكل ما يملك وهو "10 دولارات 10 كيلو غرام من الفراولة" ، وبدأ يطرق الأبواب ليبيعها ... في نهاية المطاف ربح الرجل 20 دولارا ...فقام في اليوم التالي بتكرار العمليه ثلاث مرات وبعد فترة صار يخرج في الصباح الباكر ليشتري أربعة أضعاف الكمية الأولى ...وبدأ دخله يزيد إلى أن استطاع أن يشتري دراجة هوائية ، وبعد فترة من العمل الجاد استطاع الرجل شراء شاحنة ... إلى أن أصبح يمتلك شركة صغيرة لبيع الفراولة ... وبعد خمس سنوات ، أصبح يمتلك أكبر مخزن للمواد الغذائية في مدينته ... ثم قرر أن يؤمّن شركتة عند أكبر شركات التأمين ... وفي مقابلة مع موظف شركة التأمين قال الموظف لصاحب الشركة: أنا أوافق ...ولكني أحتاج بريدك الإلكتروني لأرسل لك عقد التأمين ، فأجاب الرجل بأنه لا يملك بريد الكتروني وحتى أنه لا يملك كمبيوتر ...فرد موظف التأمين مستغربا : لقد أسست أكبر شركة للمواد الغذائية فى خمس سنوات ولا تملك بريد الكتروني!!! ماذا كان سيحدث لو أنك تملك بريد الكتروني !!... فرد الرجل: لو كنت أمتلك بريد الكتروني قبل خمس سنوات لكنت الآنح منظف مراحيض فى إحدى الشركات ...
فالله يخبئ لنا الأفضل من حيث لا ندري... فهو سبحانه اللطيف ...وقد عرف العارفون اللطف بأنه إخفاء الأمور في أضدادها... وأختم بالذي هو خير"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ..."