قلت لكم سابقا أنني لست وسيما،ولا أريد أن أخسر شعبيتي "الإفتراضية" في التقاط الصور التذكارية وخاصة "سيلفي"،أحيانا عندما أمر من بعض الشوارع يتعرف علي بعض الأصدقاء الإفتراضيين الطيبين،اليوم مثلا حصلت على خمس إعجابات في سوق "كبيتال" وحصلت على آخر قرب المتحف الوطني،بعضهم طلب التقاط صورة ثنائية وسط درجات حرارة تكاد تتخطى تخوم الأربعين،وقد فاتهم أنني أحيانا التقط ما يناهز العشرين صورة،وذلك فقط من أجل تعديل الصورة الشخصية،
وعندما أنظر اليها بعين الناقد،أكتشف أن هناك مؤامرة ما حصلت معي بالإشتراك مع عوامل التعرية ووزارة التعليم،بالمناسبة أنا شخص متقوقع تماما وضجيج الإهتمام يحرجني جدا،والكتابة فعل صامت ربما لا يحتاج مجهودا نفسيا كما هو الحال مع فن المسرح والخطابة والرقص داخل "المرجع"،كوني أجيد هندسة الكلمات ورصها بشكل منمق داخل صرح المعاني،لا يعني بالضرورة أنني مصلح إجتماعي وأصلح مبدئيا لتقلد دور المثقف الذي لا يفوت شاردة وواردة إلا وحشر أنفه فيها.حتى لا أغرق في مستنقع الأنا،سأعرج على هذا المساء المضبب بالرتابة والإثارة السلمية،عندما مررت ببرج سنيم الذي يطاول عنان خزينة الدولة،
كانت الرافعة في الأعلى مليئة بالأسمنت المسلح،عندما رأيتها تتأرجح غيرت مساري حتى لا تسقط فوق كتلتي الحجمية وأخسر حياتي ليلة السبت من أواخر سبتمبر-وذلك قبل أن أعرف إن كنت حصلت على التحويل-لأنني متأكد تماما أن الدولة لن تفتح تحقيقا جديا في ملابسات سقوط الرافعة،فحياة الأشخاص هنا رخيصة للغاية والأمثلة كثيرة،فمعظم القتلة يقضون راحتهم في دار النعيم،المهم أن الوزارة أفرزت لوائحها الداكنة دون أن تعرج على المحاربين القدماء-مثلي-اعتقد أنه من المرجح كثيرا أن أعود إلى تامشكط،وهو خبر قد تفرح له بائعة الكسكس هناك،فأنا من زبنائها المخلصين.
أعتقد أيضا حسب تجربتي أن من عاش في هذا الوطن وهو يتمسك ببعض بقايا الأخلاق والقليل القليل من التقوى-علي رأي نزار-سيبقى فيه كالغصن المنحني تذروه رياح النسيان،أظنني بت أفكر جديا في إعلان الكفاح الناعم ضد وزارة التعليم،لذا قد أدخل في إضراب مفتوح عن اللحوم البيضاء والتفاح الأخضر والأحلام،حتى تحويلي إلى إعدادية الرحمة التي إفتتحها بدر نجل الرئيس،وذلك لموقعها الإستراتيجي ولكثرة الأيادي "البيضاء" التي ستحفها.
يقول درويش:الجميلات هن القصيرات يشربن في كأس ماء،تذكرتها وأنا عائد من الوزارة أحمل على ظهري أكياسا ثقيلة من التذمر،تذكرتها بقوة عندما لاح ذلك الملاك الصغير وسط العاصمة،لقد كانت تجلس أمام الغروب وحيدة كزهرة بيضاء زرعت في الصحراء خلسة،تركت المسافة بيني وبينها تحرسها الدهشة والكبرياء،عندما سألتني متى ولدت؟
فكرت في أن أخبرها أنني ولدت مساء الجمعة قبيل الغروب بدقائق في الثالث والعشرين من شهر أيلول من عام 2016،لكنها لن تصدقني طبعا،ستقول لي ملامحك توحي بأنك ولدت قبل قرون من الآن....
تركتها خلفي كما تركت أشياء كثيرة في حياتي مخبأة وراء جدران روحي،لكنها على الأقل،كفرت بنظراتها البعيدة سيئات وزارة التعليم الكثيرة التي كنت أحملها في حشاشة قلبي،وكتمتها إحتراما لهذا المساء الأخضر الذي سقط في قلبي مثلما تسقط الثمار الناضجة من الأشجار الكبيرة...
هنا نواكشوط الشمالي(تنسويلم)،وهذا الليل جميل رغم الحر والقطط المشردة والصراصير والباعوض،أنها في يدي قنينة من الماء البارد،كل جرعة منها تذكرني بأن الجميلات هن القصيرات يشربن في كأس ماء...الساعة 02:02 صباحا،طابت أوقاتكم