وداعا الشيخ محمد ولد اباه / أحمدو محمد الحافظ النحوي

الفراق مؤلم وفقد الأحبة موجع تدمع العين ويحزن القلب على رجل من خيرة رجال عصره وأكثرهم نبلا ووفاء وكرما وتقى إنه الشيخ محمد ولد عبد الله ولد اباه سليل بيت العلم والكرم والسؤدد صاحب الخصال الحميدة واالميزات الفريدة, الجامع بين المشيخة الروحية والمشيخة الاجتماعية, المتمثل بالأخلاق المحمدية والآداب القرآنية والمعارف الربانبة .

كان الشيخ محمد ولد اباه بمنزلة عمي فهو شقيق للشيخ الوالد ورفيق دربه وصديق طفولته وشبابه وبقي على ذلك العهد ما غير ومابدل حتى أسلم الروح لباريها , لا زال الدمع يغالب الحرف ولا زالت الكلمات تصارع العبرات فهل يكفي المقام لذكر المزايا أم أن نصال قلمي ستتكسر أمام أسوار مجد وسؤدد ووفاء وكرم تليد خلفهم الراحل خلال مسيرة عقود حافلة بالمكرمات .
اختصرت الكلمات المقتضبة المؤثرة التي أرسلها الشيخ الوالد محمد الحافظ النحوي من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مخبرا أحبابه وأتباعه ومريديه بهذا المصاب الجلل ومبينا لهم أن المصاب مصابه بالدرجة الأولى نظرا لما يربطه والفقيد من أخوة وزمالة وصداقة , رسمت تلك الكلمات المؤثرة الصادقة مسار عمر من الصداقة والمودة والوفاء جمعت الشيخين فما أصعب أن يرثي المرء خليله ...
منام طه المصطفى دليل
على أن لا يبقي للمرء خليل
ترتبط أسرتا أهل اباه وأهل أنحوي بعلاقات محبة وأخوة ضاربة في أعماق التاريخ تغذيها أواصر القربى والنسب والجوار والمحبة في الله وقد جسدها ماكان بين الشيخ اباه محمد فال ولد باب أحمد بيب - والشيخ -اباه – محمدالكبير بن النحوي عليهم رضوان الله من سجالات أدبية وعلمية ظلت باقية تمثل دستورا لنهج العلاقات التي تربط الأسرتين ومن بين تلك المراسلات أبيات شهيرة قالها العلامة الشيخ محمد فال ولد باب لقرنه الوفي الشيخ العابد اباه ولد أنحوي رضوان الله عليهم والتي يقول فيها:
إذا كنت تبغي متقن الفقه والنحو
فحث عتاق العيس نحو ابن انحو
فقل لجهول عنك لم يرو حامدا
فارضع أخلاف البطالة واللـــغـــو
ترديت جهلا واكتسبت مآثما
وما ذا علينا إن رضعت ولم تـــــرو
ظل الشيخ محمد ولد اباه طول حياته مجسدا لهذه العلاقات وسفيرا فوق العادة بين الأسرتين ,كان كثير التردد على الشيخ الوالد محمدو ولد النحوي رضوان الله عليه في حياته وكان في حضرته لا تطاوعه نفسه على الكلام ولا تنصاع إليه العبارات تأدبا مع الشيخ وتوقيرا له .
وحين رحل الشيخ الوالد محمدو النحوي كان الشيخ محمد ولد اباه يٌعَزّى في الشيخ بصفته فردا من أفراد الأسرة نظرا لعمق تلك العلاقات التي تجمع الأسرتين وظل مرابطا مع رفيق دربه وتوأم روحه الشيخ محمد الحافظ النحوي طيلة تلك الفترة العصيبة وقد شهد معه مواقف قبل ذللك المصاب الجلل وبعده كان الشيخ محمد ولد اباه دوما فيها الصديق الوفي الذى لا تغيره الظروف ولا تبدله الأزمات ولا تؤثر عليه المغريات .

 

 

كان الشيخ محمد ولد اباه من الذين يألفون ويؤلفون كان حلو المجلس طيب الكلام نقي السريرة يحب الأطفال ويعطف عليهم يمازح اليتامي وينفق عليهم يواسي المبتورين ويصلح ذات البين يبتسم في وجه الضعيف لا تأخذه في الحق لومة لائم يسدى النصح للمسؤولين ويخلص المشورة لهم ويواجههم بالحق حين يقتضى الأمر ذلك .

 

 

عرفت منطقة لعقل خصوصا وولاية اترازة عموما محاسن الرجل ومناقبه وآثاره التي كان يجتهد في أن تبقى مطلسمة مستورة يخفيها وراء تلك الابتسامة البهية وذلك الهندام الأنيق كان يدخرها ليومه هذا وساعته هذه ..
ليس في كل ساعة وأوان
تأتي صنائع الإحسـان
فإذا أمسكتك بادر إليهـا
حذر من تعذر الإمكان
كان الشيخ محمد ولد اباه شخصية وطنية وإقليمية يجمع كل الذين عرفوه على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم ولغاتهم على تواضعه وخلقه وثقافته الجمة وعلى حبه للخير وبذله له فقد كان من علية القوم الذين سخروا إمكانياتهم المادية والمعنوية من أجل خدمة عباد الله في أرض الله ..
رحل الشيخ محمد ولد عبد الله ولد اباه ولكنه خلف ورائه إرثا عظيما من الأخلاق والخصال الحميدة , فسيبقي خالدا في ذاكرة كل من عايشوه وكل من عرفوه وكل من جالسوه , سيبقى نبراسا للأجيال ومعلمة يهتدى بها , سيبقي خالدا إذا ذكر الوفاء والتضحية والنبل , وخدمة المجمتع والتقى والكرم .
لو عايش أبو حسن الأنباري فقيدنا لعرف أنه أحق بأبياته التي يرثي فيها الوزير ابن مقلة حين يقول
علوَّ في الحياة وفي الممات == لحق أنت احدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا= =وفود نداك أيام الصلات
ولم أرى قبل جذعك قط جذعا == تمكن من عناق المكرمات
كان الشيخ محمد ولد عبد الله ولد اباه جذعا وفرعا وأصلا من أسرة العلم والسؤدد أسرة أهل اباه مثلهم أحسن تمثيل وكان سفيرا لهم في كل المناسبات والاجتماعات , لو قدر لقوم أن يفتدوا رجلا من الردى لافتدى قوم محمد محمدا ,, لكنه قضاء الله وقدره ومشيئته ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .
رحم الله الشيخ محمد ولد اباه فقد كان قرآنيا في أخلاقه محمديا في تعامله , سباقا للخير فعالا له , ستبكيه أعين كثيرة وسيندبه النساء والأطفال والضعفاء وسيفتقده كثيرون كانت تصلهم أيادى كرمه وجوده .
وداعا أيها الحبيب , وداعا يا سمي الحبيب صلى الله عليه وسلم ومحبه ،وداعا يا حبيب أبي وخليله ،وداعا أيها النبيل الشهم الوفي فلن تستطيع كلماتي العاجزة رثائك لكنها حروف كتبت على عجل ووجل فالمصاب عظيم ولن تكفي فيه كلمة رثاء .
إلى أسرتي أهل اباه وتحديدا بقية العلم والصلاح دوحة المجد الشيخ السيد أحمد ولد اباه وإلي مفخرة الأمة العلامة محد فال –اباه- ولد عبد الله وإلى العلامة الدكتور محمد المختار اباه وباقي أفراد الأسرة الكريمة خالص العزاء وكامل المواساة فمصابكم هو مصاب للوطن والمجتمع واصبروا يا مشايخنا نكن بكم صابرين .
إلى إخوتي سيدي أحمد وَعَبد الله -عليهم أمان الله- تجلدوا واصبروا وواصلو مشوار البذل والعطاء الذى خطه أبوكم سيروا على نهجه وكونوا خير خلف لخير سلف وتجلدوا فالشيخ محمد كان يعمل ويعد لهذه اللحظة .
إلى محبي الراحل وأصدقائه ومعارفه في شتى الأمصار عظم الله أجركم فقد فقدتم رجلا اجتمعت فيه من المحامد والمناقب والمزايا مالم يجتمع في غيره ,,
إلى المجتمع والوطن خالص العزاء فقد كان الشيخ محمد ولد اباه إبنا بارا لوطنه ومجتمعه ناضل من أجل بنائه ورقيه ولعب دورا محوريا في تماسك المجتمع وتقوية أواصره وإصلاح ذات البين فيه .
كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذوالجلال والاكرام وإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين.

جمعة, 04/11/2016 - 09:04

          ​