الضفادع والجراد الأصفر وكتيبة من "جعارين" يقودها بوجعران مفتول العضلات وضخم الجثة،جميعها تمارس طقوس الإزعاج داخل غرفة نومي،بالإشتراك مع فصيلة متوحشة من الناموس ترتشف دمائي "الزكية" وهي تشغل وضعية صامت،في الخارج السماء ثقيلة وقريبة كأنها تعبت من حمل الغيوم،تلك الغيوم التي تذكرني بمدرس الألواح حينما ينضح الماء في وجوه طلبته لكي يستيقظوا قبل الشمس،إنها ترشنا برذاذ المطر كلما توغلنا في النوم،فنستيقظ لنحمل متاعنا بسرعة كأننا مجموعة من اللاجئين هاربة من القصف،دعواتكم لنا أن لا يسقط المطر،فالسقف مثقوب وقد يتحول إلى حنفية إذا بكت السماء بكل حرقة..
أشعر هذه الأيام أنني يرقة في طور التحول من أستاذ جاف إلى ضفدع لطيف،لقد بت أفكر جديا في تلقيح تلك الضفدعة البدينة التي تحاول كل ليلة أن تصعد على فراشي لكي تنام بين أحضاني.
آخر ما فكرت فيه،وأنا أشرب الشاي صيف 2011 في كلية العلوم والتقنيات رفقة دفاتر الكيمياء،أنني سأذوب في وزارة التعليم بهذا الشكل الفظيع،لقد تأكسد الأمل في قلبي وترسب الإعياء في مفاصلي،لقد نقص وزني باستثناء بطني،الذي لم يعد ضامرا بسبب تباعد مواقيت الوجبات وتعويض ذلك الفراغ الحاصل بالسوائل!
أنهم يريدون مني أن أكون مدرسا يتحلى بشيء يشبه حب الوطن،وأنا كلما لمحت السبورة شعرت بدوار حاد وكاد أن يغمى على معنوياتي،لقد مسحت دموع تلك السبورة بأصابعي الشبيهة بالمناديل طوال ثلاثة أعوام مضت،لكنها لا تزال حزينة وتتدثر بالسواد،كأنها قررت أن تعلن حدادا طويلا على روح التعليم في موريتانيا..
اليوم كنت في دردشة مع صديقي،الذي كنا نطلق عليه "خربوط" ونحن صغار نلعب الكرة تحت ظلال المنازل وقت الظهيرة،وخربوط هذا كان يمثل دور الشرير في مغامرات أبي الحروف في برنامج المناهل الذي كانت تبثه التلفزة الوطنية في الزمن الجميل،زمن ما يطلبه المشاهدون ومسلسل بوليانا أنا سعيدة...
تدارست مع صديقي سبل الهجرة عبر الصحراء الكبرى عبر محور النيجر-ليبيا،لكن لعلعة الرصاص جعلته يوقف دردشته معي.بعدما هدأ الوضع في محيطه،قالي لي إنها مغامرة تستحق التجربة،الركوب في مؤخرة سيارة رباعية الدفع وقطع تلك الفيافي الشاسعة مع جوقة من بؤساء النصف الجنوبي للكرة الأرضية،شعرت بالحماس لتلك الفكرة المجنونة،خاصة أنني أتوق للكتابة عن الذين ذابت أرواحهم في لجج البحر الأبيض المتوسط.لم لا،إن الحياة طبعا لا يوجد فيها Bonus مثل بطاقات التزويد لكن من جهة أخرى لا أحد سيموت قبل أن يموت،السلام لا يعطينا حصانة ضد الموت،وكذلك هي الحرب لا تعني أن الموت بات أقرب إلينا من موعده المحدد..
ذنوب التعليم باتت تؤرقني جدا،وذلك الحماس قد أصبح خافتا في قلبي كضوء سيارة مدبرة،حبذا لو قررت تلك الوزارة إحالتي إلى المعاش "المبكر" بعد ثلاث سنوات من الإغتسال بغبار الطباشير ودموع المستقبل..
لست متشائما،لكن التعليم أفسدته السياسة للأسف.ولا أريد أن أمشي في جنازته طبعا..
هنا تامشكط،والليل قد أخرى سدوله تماما،لا شيء يتحرك سوى الذكريات ورياح كسولة تقف عند الأبواب كأنها تستحي من الدخول،هذه التدوينة كانت من تلحين الضفادع وإخراج الجراد وسيناريو وحوار الناموس،أشعر أن وزارة التعليم تشبه المستنقع،وأنني فيها أشبه ضفدعا بح صوته من كثرة النقيق.
التعليم أولا.....الساعة ثلث الليل الأخير بتوقيت غرينتش
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
خالد الفاضل