تتوارد أنباء متزايدة من العراق تتهم ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية بنهب ممتلكات سكان مناطق جنوب مدينة الموصل الذين نزحوا منها خلال العملية العسكرية الكبرى الدائرة هناك للسيطرة عليها وإخراج تنظيم «الدولة الإسلامية».
تتناظر هذه الأنباء أيضاً مع تداول مصادر إعلامية عراقية رسمية وخاصة وكذلك وسائل إعلام عالمية أنباء عن إعدامات ميدانية يقوم بها التنظيم المذكور وعن عمليات تحشيد للسكان داخل الموصل لاستخدامهم دروعاً بشرية، يضاف إليها حكايات بعض النازحين عن إجراءات الضبط والربط القاسية التي يقوم بها تنظيم «الدولة» فيما يخص التقيد بنظام ملابس متزمتة ومنع التدخين وحظر استخدام الهواتف الجوالة وغير ذلك.
وحسب ما ذكرته وكالة أنباء الأناضول عن ضابط في الجيش العراقي من أهالي الموصل فإن «عناصر الحشد الشعبي يرتدون لباس الشرطة الاتحادية بدأوا بنهب وسرقة ممتلكات سكان ناحية الشورة» وأن «سيارات نقل تقف عند أبواب المنازل والمحال التجارية التي تخلو من أصحابها الذين نزحوا خارج الناحية… ومن ثم يقومون بنقل الأثاث والأجهزة الكهربائية».
تكرّر هذه الأنباء نمطاً قائماً يجري تكراره في كل المناطق العراقية «المحررة»، وتؤكد أن عمليات النهب والانتهاكات هي منظومة سياسية ـ عسكرية رسميّة عراقية لا تتعاطى فعلاً مع شعب ينتمي إلى البلد نفسه بل مع غنائم حربيّة يتمّ السطو عليها وجعلها رهينة عسكرية وسياسية لطرف لا يختلف، إلا في الشكل والرايات الطائفية، عن تنظيم «الدولة» وأساليبه في الحكم، أو على حد قول زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، بـ»الشريعة والسلطان»، أي بالراية الدينية والقوة الغاصبة.
وكما يبرر تنظيم «الدولة» إجراءاته المتطرفة بالعودة إلى ماضي «الخلافة الإسلامية» ومعارك الإسلام الأولى فإن قوّات الحكومة العراقية (وليس فقط ميليشيات «الحشد الشعبي») تستعيد بدورها رايات الإمام الحسين وأئمة الشيعة
في حربها ضد التنظيم، وكما يرتكب التنظيم جرائمه ضد سكان المنطقة باسم الإسلام، فإن القوات العراقية المقابلة لا تتورّع بدورها عن النهب والسلب والإجرام باسم الإسلام أيضاً.
وإذا كان تنظيم «الدولة» يبني أسسه على خطاب مضاد للدولة الحديثة وأشكالها من برلمان وقضاء وحكومة (وهو أمر يسهل تفنيد تهافته لأنه في الحقيقة صنيعة هذه الدولة الحديثة نفسها) فما هو مبرّر حكومة وقضاء وبرلمان وجيش العراق التي أشرفت سلطات الاحتلال الأمريكية بعد عام 2003 على اختراعها وتفصيلها لإنجاز ديمقراطية مثلى في المنطقة العربية، ويتباهى منفذوها بأيقونات العصر الحديث (كتحالف «دولة القانون» الذي يرأسه نوري المالكي مثلا)؟
طوّر عالم الاجتماع العراقي علي الوردي فرضية عن «ازدواجية الشخصية العراقية» من شروحها أن الفرد العراقي أكثر من غيره هياما بالمثل العليا والدعوة إليها ولكنه في الوقت نفسه من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته، وأنه أقل الناس تمسكا بالدين وأكثرهم انغماسا في النزاع بين المذاهب الدينية وأنه «يلتهب حماسة إذا انتقد غيره ما يخص المبادئ السامية أو رعاية العدل والعفو والرحمة ولكننا نراه من أسرع الناس إلى الاعتداء على غيره ضربا ولكما حالما يرى الظروف المناسبة».
قد تلقي هذه الفرضية بعض الضوء على الوضع العراقي ولكنّ محاذيرها تكمن في تعميم الفردي على الاجتماعي، كما أنّها قد تبرّر أفعال الأفراد والجماعات وجرائمهم ضد بعضهم البعض وتنفي مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية.
وهذا ما يجعلنا نجد سبباً مجددا لطرح سؤال: من وجهة نظر سكان الموصل والرمادي والفلوجة بماذا تختلف الحكومة العراقية وميليشياتها عن تنظيم «الدولة الإسلامية»؟