نقائض الشيخ في سيده..!

ازدهر شعر النقائض في العصر الأموي، فاشتهر به ثلاثة شعراء فحول جرير، والفرزدق والأخطل، كان كل واحد منهم ينقض قول الآخر في مدحه لنفسه وفخره بقومه، فيهجوه وقومه هجاها مقذعا، ويمدح هو نفسه ويفخر بقومه. امتاز شعر النقائض بـ:

- تكذيب الخصم

- مقابلة المعنى بنظيره

- قلب المعاني وردها

يلجأ أصحاب النقائض إلى " ما يثير الاشمئزاز لما فيه من مجون ورفث وفحش." تمتاز النقائض بالجمع بين غرضي المدح والهجاء في قصيدة واحدة في مواجهة بين شاعرين أو أكثر. لكن أن يتم ذلك بالنثر، وبين شخص وسيده يمدحه، ثم يتتبع مدحه ينقضه معنى ومبنى، فهو ما لم يسبق إليه الشيخ إلا ريطة بنت عمرو التي نقضت غزلها من بعد قوة. كانت ريطة حمقاء بينما يتلقب الشيخ بالدكتور!  

وصف الشيخ ممدوحه، أيام الوزارة، في معلقة الأنكلوجيا الشهيرة بسيدي الرئيس ست عشرة (16) مرة. إذا عدنا إلى قواميس اللغة وجدنا أن المعنى الأول للسيد هو:المالك، الملك، المولى ذو العبيد، كل من افترضت طاعته (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا...)، وسيد كل شيء أشرفه وأكرمه. فالشيخ الدكتور، والوزير يصف ممدوحه بأنه مالكه! والمملوك إذا انقلب على سيده سمي آبقا. تتبع الشيخ في نقائضه مدائحه يقلبها هجاءا في مساره الذي يوغل فيه أكثر وأكثر حتى وصل به خمس مراحل تزود فيها بـ" ما يثير الاشمئزاز لما فيه من مجون ورفث وفحش."

امتازت المرحلة الخامسة بنقائض الأرقام وهو ما لا يطمئن على قدرات الشيخ الذهنية. فهو يصف الانتخابات الأخيرة بأنها "انتخابات هجرها وقاطعها الشعب الموريتاني برمته [جميعا]..." وكان قال، قبل ذلك إن نسبة المشاركة وصلت إلى 31.7%، وادعى استقاء الرقم "من مصادر ذات مصداقية..." فمن أين عرف أصحاب المصداقية هذا الرقم الدقيق، والمراقبون شهداء زور، والشعب الموريتاني كله هجر الانتخابات!  

لكن العجب من قول الشيخ ينقضي حين نعود إلى مديحه أيام الوزارة. فقد قال عن سيده، في انتخابات 2009"... رئيسا منتخبا بأغلبية ساحقة في الشوط الأول،"(منسقية المعارضة وأذان الديك). انتخب سيده بنسبة 52% فقط، فإذا كانت هذه "أغلبية ساحقة"، في عرف الشيخ، فماذا يقول عن 86%!

هذه النتيجة كان الشيخ قد تنبأ بها في إحدى مدائحه.." وما هي إلا أشهر معدودات ويقول الشعب الموريتاني كلمته.." وقد قالها. وفي أذان الديك يقول عن الانتخابات، متنبئا،"ونقف على عتبة الانتخابات التي لن ترحمكم..." ولم ترحمهم.

ينعى الشيخ على سيده ما يسميه "كيل الشتائم لنخبة المعارضة الشريفة..." فلنسمع ما الذي قاله عنها أيام الوزارة.." ونزلوا إلى آخر الفقرات العصعصية من مستوى لا أخلاقي في الخطاب السياسي، فهاجموا الأشخاص لأن معركتهم شخصية، وقذفوا الأعراض لأنها تجارتهم، وزيفوا الحقائق لأنهم يعشقون الظلام ويتغذون منه... يتسابقون إلى الكذب والزور والتنطع والقذف وأكل الأعراض والنميمة،.. فلعل آخر ما يتحرك فيهم ألسنتهم التي تشيب أقوالها كذبا... فمنذ القدم تسير القوافل وتنبح الكلاب..." فأي فحش بعد هذا أيها الشيخ!

  يخصص الشيخ جل مرحلته الخامسة لشخص سيده ينقض كلما وصفه به من قبل من صفات قرنه فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم.." فلا تبتئس بما يقولون ودع أذاهم إنك على الحق المبين... أخاطب قائد أركان الجيش الموريتاني.. إن محمدا قبل أن ينزل بالمدينة المنورة كان على بصيرة بنبل الأنصار ووفائهم بالعهود... فقد تأتى له أن يتبين الذين صدقوا ويعلم الكاذبين." أما الصفات الحميدة فتنتسب إلى سيده.." إنجاز عظيم من رجل عظيم.. رجل يملك قلب أسد وحلم أمة.. خض بنا أيها الزعيم عباب هذا البحر.. وكنتم بلسما شافيا.. في نواكشوط فارس لا يخضع للإرجاف... أقول هذا لا تزلفا ولا نفاقا ولا خوفا ولا طمعا في منصب ولا لفتة كريمة، وإنما لقناعتي بصدق نوايا الرجل وحسن طويته... وأعتقد أنني فوق سن وشبهة التملق، فقد أغناني الله بما لدي من مال وعلم وعفة..." فهل يضر بعد هذا هجاء من نفس الشيخ!

يطعن الشيخ في تسيير سيده، وقد قال عنه، أيام الوزارة.."... البرنامج التنموي الذي بدأه الرئيس ولد عبد العزيز من أرقام صفرية ليتحول إلى مليارات تضخ في أكثر من خمسة آلاف مشروع تنموي في كل أنحاء البلاد تحت التنفيذ والتخطيط (بينها 750 مشروعا في مجال الطرق والنقل وحدهما). ما يعني قرابة 14 مشروعا لكل يوم من مأمورية الرئيس.. ما بين منشأة صحية أو مدرسة أو بئر أو سد أو طريق أو جامعة أو كلية...إلخ... بدأت سمفونية البناء.. الطرق، السكن، منشئات الصحة، شركات النقل، مشاريع الكهرباء والماء... لأول مرة أكثر من ثمانية مليارات دولار للاستثمار في قطاعين فقط من المعادن: الحديد والذهب، مشاريع البيئة والزراعة، التكوين المهني، رفع مستوى المعيشة،... كان حسن تسييرك وحرصك على المال العام كلمة السر في مفتاح الانجازات... إنك تبني دولة وتسطر تاريخ أمة... بدأتم سنة تحويل الوعود من مفردات إلى منشئات... فأطلق أكبر مسلسل مشاريع في تاريخ البلاد، أنجز خلاله في عامين ما لم تنجزه الأنظمة الموريتانية مجتمعة في مجالات المياه الكهرباء الطرق الإسكان الصحة الاستثمار،... 500 مشروع مائي في البلاد، مضاعفة البنية التحتية الصحية، إسكان أكثر من نصف مليون موريتاني عبر توزيع الأراضي على ما يناهز 200 ألف أسرة في نواكشوط ونواذيبو وروصو وترمسه وانبيكة لحواش والشامي ومثلث الأمل، تشغيل 30 ألف موريتاني، تسليح الجيش..."

ينسب الشيخ إلى سيده تمزيق المصحف، وحرق الكتب...، وكان قال عنه من قبل، أيام الوزارة:" رجل مصحف شنقيط وإذاعة القرآن وتكريم العلماء... لن أتحدث عن رجل مصحف شنقيط والجامعة الإسلامية لن أتحدث عن رجل إذاعة القرآن الكريم ومشروع أكبر جامع في البلاد وتكريم العلماء وخدمة الدين والبعثات الدعوية للداخل والخارج.. ولا عن المشروع الإسلامي الذي يقوده الرئيس..."

ينكر الشيخ على سيده قوله إنه عرّف بموريتانيا، وكان قال عنه، أيام الوزارة.." أمضت موريتانيا خمسة عقود منذ استقلالها غارقة في الكبت والفساد واليأس والقنوط واللامبالاة والتناحر في رحلة موت بطيء عاش فيها شعبنا سنوات عجاف بين سندان الجفاف ومطرقة جفاء الأنظمة المعروفة... ثم جاء العام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون كان ذلك في السادس من أغسطس2008 قمت أنت بالتغيير... الرئيس الباني لدولة موريتانيا الجديدة... الرئيس الذي عمر الأرض بعد أن كانت بيداء... الرئيس الذي أخرجنا من ظلمات الدكتاتورية إلى نور الحرية والديمقراطية... يجوب وزير خارجتنا العالم من نيويورك إلى طهران وباريس... وكان أي وزير خارجية موريتاني، منذ السبعينيات، لا يعرف إلا حدود وزارته.. سمعة دولية ممتازة، وتحكيم موريتانيا ووساطتها في نزاعات إقليمية شائكة. هكذا يعمل الرئيس ولد عبد العزيز، هكذا يفكر، هكذا يخطط، وهكذا ينفذ..."

اكتشف الشيخ فجأة سن الرئيس، فزادها عشر سنين على عادته في المبالغة، فالستيني هو من تجاوز الستين، مثل الشيخ. الأغرب من هذا أن الشيخ يصف الرئيس بالشباب في مايو2012 ! "...مع هذا الرئيس الشاب المنتخب..." فكيف انتقل، في سنتين، من مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة، في المرحلة الخامسة من مسار الشيخ!

يبدع الشيخ في النقائض، لكنه حين يتعالم يأتي بالعجائب... زعم الشيخ بلهجة الواثق الذي يستحضر معارفه بطرق المناسبات.. (بالمناسبة في بعض مسودات التعديل على اتفاقية سايس بيكو المشؤومة، فإن موريتانيا ستقسم إلى خمس دول.. لا قدر الله).لا بد أن الوزيرين، في عجلة من أمرهما نسيا إتلاف كل المسودات فوقع بعضها في يد طبيب... إعلم، يا شيخُ، [نكرة مقصودة] أن اتفاقية الوزيرين جاءت لحل نزاع الانجليز والفرنسيين حول احتلالهما للهلال الخصيب، هناك في المشرق العربي، فراجع المسودات التي وقعت تحت يدك، فلعلها تتعلق بمؤتمر برلين لتقسيم إفريقيا سنة 1884، وقد عقد أصلا لحل مشكلة الكونغو، ولم تكن موريتانيا حينها على الخرائط، ولا في بعض المسودات...

يأمر الشيخ، في نهاية المرحلة، بالمعروف! "فالنتب إلى الله جميعا..." ولعل مما يعين على التوبة معرفة الإملاء.

أخيرا، أيها الشيخ.."نصيحتي لكم، وأخشى أنكم تجاوزتم سن النصح، هي أن تمارسوا حقكم المصون في التعبير... والنقد حتى لو كان نقدا على طريقتكم الماخورية بشتائم وسباب وقذف وادعاءات ولكن لا تتحاذقوا على الواقع.. فمنذ القدم تسير القوافل...[اللهم إني صائم].. منذ القدم يعلو الحق ويزهق الباطل.. منذ القدم يقذف الموج الغثاء.. منذ القدم يذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس.. منذ القدم تتحول التخاريف إلى مضحكات... منذ القدم لا تهز الريح الجبل.. منذ القدم يربح الفرسان ويخسر المقعدون..." (انتهى الاقتباس).

ومنذ بداية مساره السياسي دأب الشيخ على ""أن يكيل لخصومه أسوأ السباب والشتائم...إنه ينظر إلى نفسه ويصف مناوئيه بما في نفسه.. الفساد والتخريب، انعدام الرؤية، ضيق العقل والرؤية، وصغر الحلم الذي لا يتجاوز جيبه المرقع بالأنانية والشوفينية والعقد النفسية..."

لابد أن الشيخ يعد للمرحلة السادسة من مساره الحانوتي مجددا زاده من "العبارات البذيئة التي تعاطاها... تدعو إلى الغثيان، ليس لأنها تصف بعبارات سوقية ظالمة رجلا انتخبه الشعب الموريتاني رئيسا له ويمثل أمله في التطور والتنمية، فحسب، بل لأنها تنبئ عن كارثة تتعلق بأخلاق [شيخ مسن] كان يفترض أن يكون قدوة في حسن الألفاظ وترفع الخطاب فإذا به يتهافت على الشتائم والسباب والقذف في أعراض الناس.. وكأن مهمته باتت منحسرة في قلب الحقائق.. ولا شيء أمر وأدهى من أن يضع الرجل نفسه عدوا للحق.. إنها محنة حقيقية.. فالرجل بأخلاقه قبل كل شيء... إنه انتحر أخلاقيا وهاهو يحتضر لفظيا أمام الملأ.. تشيعه نظرات الاستغراب في موسم انحطاط الأقوال..." (انتهى الاقتباس)

ينبغي، في نهاية هذه المرحلة، رفع القبعة للشيخ حين يقول:" إذا لم يحكم العجوز العقل فلن يفيده العضل"، والمرء بنفسه أدرى...

سيدي محمد ولد ابه

[email protected]

أحد, 13/07/2014 - 15:52

          ​