تطفل على النقد الادبي

من الفروق البينة بين قدرات الشعراء أن بعضهم تجهده القافية حتى يصيبه الأرق، ويتصبب من العرق، فيأتي غيره فيحسنها وينفذها من مخرجها الصحيح، حتى تظنه طفلا يعبث بأشيائه، فانظر ما بين اللعب والترف واللهو وبين الجهد المضني والارق.

 وهناك فروق كثيرة بين الشعراء، غيرصدق العاطفة أوكذبها، وغير امتلاك ناصية اللغة، والخبرة والمهارة في عروض الخليل.

وهل يكفي حفظ الأمثلة الرفيعة شرطا في إنتاج الأدب، على رأي حمادة الراوي خلاف..،

فقد أجاد امرؤ القيس في الشعر ولا علم له بطويل خليلي ولا مديد فراهيدي ولا عريض أوثقيل، ولم يحفظ شعرا غير أنه يبكي كما بكى بن حذامي،وإنما كان ينحت من ذهنه قطعا لغوية تحمل شحنة موسيقية تلبي له غرضه المنشود، وفق ثقافة وواقع بدوي يتنفس الطبيعة بكل جوارحه.
ولم يتبع لسابق في شيئ من شعره، سوى أنه بكى الديار كما بكاها ابن حذام، وقد حفظ الشعراء والمولعون بالشعر قطعا كثيرة لامحمد بن أحمد يوره وأخرى لنزار قباني، كما رووا لأبي نواسي ولعمر بن أبي ربيعة وللمتنبي، فما رق شعرهم ولا أجادوا غزلا، ولا ذكروا معهم.

 

والشاعر الحق من يستطيع أن يطوع لغته نحوا وصرفا لتناسب الفراغات الموسيقية التي نطلق عليها اسم العروض، إضافة إلى امتلاكه لوعي عروضي يقظ، لا يخرجه عن حد "الكلام الموزون المقفى"، حيث يذكر ان بعض كبار الأدباء اكتشف بينا من الكامل في مختصر خليل بن اسحاق المالكي، وبيتا من بحر آخر في القرءان الكريم، لكن الذي يطلق عليه شعر من الكلام الموزون المقفى يشترط به وجود القصدية؛ تماما كما يشترط في الكلام أن يكون لفظا مفيدا.

 

ثم إن التقليد قيد يلزم اللاحق بحذو طريق سابقه، ويمنعه الخروج من المساحة التي حددت له سلفا، وحين توضع قيودا سميكة في طريق البوح والابداع فإنه يخرج عن دائرة الفن والجمال، ويصبح أقرب للعبادة والالتزام الأخلاقي منه إلى الفن واكتشاف التجارب الشعورية للانسان، رغم أنه يحتاج لضوابط تحكمه حتى لا يكون بنية لغوية فارغة.

 

ومما يحسن أن نلمس في شعر الشاعر بعض ما يصدق عليه في الواقع، وهو معيار نقدي حقيق بالنظر، فليس من الحسن في شيئ أن نقرأ قصيدة لشاعر تعرفه معرفة واقعية، وتصطدم خلال قراءتك بشخصية حدثك عنها تاريخ الأدب وكأن هذا أوحى بها لذلك، ولا وجود فيها لأي تطابق بين الرجل الذي كتبها.وشخصيته، ما يفيد أنه هو في الشعر يكون فلان وفي الواقع يكون رجلا آخر، وهو محل خلاف حيث يصفه بعض النقاد أنه مستوى رفيعا من الشعر، فيما يصفه آخرون أنه ذوبان في صورة تقليدية نمطية أقرب للرياضة البدنية والعبادة منها للانتاج الفكري الخاص، وأن صاحبه يفتقد للطابع الشعري الخاص به، وبذلك يبقى مجرد صورة طبق الأصل.
ديدي نجيب
أربعاء, 16/11/2016 - 10:10

          ​