"السكيزوفرينيا" مرض نفسي مزمن يحيل المصاب إلى شبح إنسان

يعتبر مرض الفصام، أو السكيزوفرينيا، من أخطر الأمراض النفسية، وعلاجه يواجه صعوبات عديدة رغم تقدم الطب في هذا الميدان، وهو مرض مزمن يصيب صاحبه بالإعاقة في علاقاته العائلية وصِلاته الاجتماعية ويحرمه من متابعة دراساته وحتى من الاندماج في المجال المهني، كما يجعل المريض منزوياً في بيته وعالة على عائلته، وتتخذ حياته وحياة والديه منعطفا كله آلام وعذاب ومعاناة.

والخطير في الأمر هو أن المريض المصاب يكون غير واعٍ نهائياً بمرضه ويرفض العلاج ويرى نفسه على حق وأن كل المحيط الاجتماعي خاطئ، ويعيش في عالمه الخاص وعلى هامش المجتمع.

يصيب هذا المرض الخطير حوالي 1% من الناس في العالم ما بين سن الخامسة عشر والثلاثين سنة، وأسبابه غير معروفة لكن العامل الوراثي له دور كبير؛ حيث يُصاب مخ المريض باضطرابات بيولوجية، ولهذا للأدوية دور كبير في العلاج وفي استقرار سلوك المريض، خصوصا من ناحية الاندماج الاجتماعي. ولا يصيب هذا المرض الذاكرة نهائياً ولا يؤثر على الذكاء.

وينتشر الفصام بمعدل مرتين أكثر من مرض الزهايمر، وخمس مرات أكثر من مرض التصلب اللويحي المتعدد، وست مرات أكثر من مرض السكري، وستين مرة أكثر من مرض ضمور العضلات.

وهذا المرض له أنواع كثيرة تختلف في شدة أعراضها وقابليتها للعلاج وفي درجة تعويقها للمريض، كما تتنوع في أشكالها من حيث درجة القوة المرضية والتأثير. وبفضل العلاجات ومساهمة المحيط العائلي المستدام، يمكن للمريض أن تصبح درجة إعاقته خفيفة، وبالتالي يتمكن من متابعة دراسته وتحقيق الاندماج الاجتماعي ومزاولة حياته المهنية. ولكن تبقى هذه النتيجة نادرة جدا ومرتبطة بعدة شروط لا بد من توفيرها.

فبداية أعراض المرض غالبا ما تكون مبكرة، ما بين 15 و21 سنة، والدخول في المرض يكون عادة بهدوء، ولكن بإمكانه أن يكون بشكل حادٍ ومفاجئ. وكلما كان العلاج مبكراً كانت النتيجة أفضل من ناحية تطور المرض وإدماج المريض في حياته الدراسية وفي المجتمع. وفي هذا النطاق، يتوفق العلاج في بلوغ نتائج تعتبر أشبه بالمعجزات.

ليس بإمكاني هنا عرض كل أعراض مرض الفصام وأنواعه، ولكن أفضل أن أركز فقط على أعراض بداياته، بالخصوص عند المراهق، وأهمية الاستشارة الطبية، خاصة أن مستقبل المريض وعائلته يتوقف على المبادرة بالعلاج المبكر.

لنعلم أولاً أن المريض لا يشتكي أبداً من الأعراض التي تصيبه بحكم أنه غير واع بها، ويجد لها دائماً مبرراً في حالة ملاحظة العائلة لها. وهنا نرى أهمية ودور المحيط العائلي في المبادرة بالاستشارة الطبية، وبالخصوص إن كانت هناك سوابق عائلية وراثية لهذا المرض أو أمراض نفسانية أخرى عند كل من له صلة قرابة دموية بالشخص المعني، سواءً من جهة الأم أو الأب.

فإذا لاحظ المحيط الأعراض التالية عند المراهق أو الشاب فلابد من زيارة واستشارة طبيب نفساني:

- تراجع في النتائج المدرسية، وبالخصوص إن كانت بشكل غير معتاد

- الانزواء وعدم الخروج مع الأصدقاء

- تفضيل الأكل وحده

- تغيير في المزاج والصمت الكثير والتراجع في المشاركة في الأحاديث العائلية

- الإهمال الشديد في الملبس والنظافة

- الإهمال في ترتيب الغرفة والمحفظة

- التزام الألبسة نفسها والحذاء ورفض تغييرها

- التقليل من الأكل والنقصان في الوزن

- أفكار غريبة وآراء غير معتادة وصعوبة في تتبع وفهم مضمون كلامه والخلل في منطقه

- الحديث بصوت خافت يصعب سمعه وفهمه

- برودة عواطفه أو غيابها تماماً

- تفضيل الانعزال لوحده ورفض الجلوس مع الزوار

-اهتمامه غير الطبيعي بأشياء وظواهر غريبة

- توقفه عن ممارسته للأنشطة الرياضية والفنية

- تغيير في نظراته ومحاولته الدائمة تجنب النظر المباشر في أعين أهله

- حركات بشفتيه وكأنه يتحدث مع أحد

- شفتاه ترسم ابتسامة كأنه يبتسم مع أحد

- عدم التطابق بين التعبير العاطفي ومضمون حديثه

- الإحساس الوهمي بأن هناك من يتجسس عليه ويراقبه

- الإحساس بأن الكل يتآمر عليه ويريد إيذاءه

- هلوسة مباشرة

- في بعض الأحيان قد يلجأ المريض إلى "الحشيش" للتخفيف مما يعاني منه، خاصة في سن المراهقة، ولكن "الحشيش" سوف يزيد الطين بلةً

يجب كذلك أن نزور المدرسة ونطلب من أساتذته إذا لاحظوا الأعراض التالية:

- تغييرا في سلوكه

- انزواءه والابتعاد عن زملائه في الساحة وأثناء الاستراحة

- اختياره للجلوس لوحده وفي آخر القسم

- التراجع في المشاركة في القسم والأنشطة المدرسية والأنشطة الموازية

- عدم اهتمامه بالدرس وكأن عقله مشغول بأشياء أخرى ونظراته تكون غائبة

- عدم التركيز في دراسته أو عمله

- أعماله في دفاتره غير منظمة وكتابته متقطعة ينقصها الكثير من السطور والكلمات

- نسيان أدواته وكتبه بالمنزل بالرغم من أنه يأتي وهو حامل لمحفظته

- التواصل المباشر معه يصبح أكثر صعوبة بشكل تصاعدي

- تصاعد غيابه عن المدرسة أو عن عمله

- خروجه لوحده من القسم بدون استئذان

هذه بعض الأعراض المهمة التي إذا لاحظناها فلابد من زيارة الطبيب لتشخيصها والشروع في العلاج إن كان الأمر يستلزم ذلك حسب ما يقرره الطبيب المعالج.

*طبيب ومحلل نفساني
خميس, 08/12/2016 - 18:02

          ​