في موريتانيا يزداد عدد الفتيات اللواتي يؤدين أدوارا درامية في المسلسلات التلفزيونية خصوصا خلال شهر رمضان. غير أن هذا التوجه لايجد ترحيب كل الشرائح الاجتماعية خصوصا المحافظة فيها، مما يجعل ممارسة مهنة التمثيل أمرا صعبا.
بعد مرور حوالي عقدين من الزمن على ظهور أول فتاة في عرض مسرحي في موريتانيا، يلاحظ الآن ازدياد عدد الفتيات اللواتي يقمن بأدوار تمثيلية في التلفزيون، خصوصا خلال شهر رمضان، الذي تسعى فيه القنوات المحلية الى استقطاب أكبر عدد من المشاهدين. ويعود ذلك بصفة عامة الى مناخ الانفتاح النسبي للمجتمع الموريتانيى وإلى المنافسة المتنامية من طرف القنوات الفضائية الأجنبية، وأيضا إلى رغبة الفتيات في كسر حاجز الخوف وانتقاد المحيط الاجتماعي الضيق أوالتأثير على العقلية المحلية.
مواجهة التحدي
آمي منت محمد الامين هي إحدى الفتيات اللواتي يسعين الى مواجهة سطوة التقاليد، حيث اقتحمت قبل ثلاث سنوات عالم التمثيل الى جانب وجوه رجالية معروفة، فلعبت عدة أدوار في مسلسلات عرضها التلفزيون الموريتاني مثل" يوميات أسرة "ولمصيدي" و "وجوه من خشب"
عندما تتحدث آمي منت محمد الامين عن التحديات التي واجهتها في البداية ينتابها إحساس كبير بنشوة النصر، حيث إنها تمكنت من اجتازت عقبات التقاليد التي تتحكم في العقلية المحافظة داخل المجتمع تجاه الفتاة.
وتقول آمي منت محمد الأمين ل DW كانت أسرتي تنظرالى التمثيل كعمل غير لائق ،ولقي ظهوري في مسلسل تلفزيوني انتقادا لاذعا، حيث اعتبر الناس أن قيامي بذلك العمل يتنافى مع أخلاق المجتمع، وظللت أعاني من نظرة استهجان من بعض الناس"
لكن منت محمد الامين تضيف بأن إصرارها على مواصلة مسار التمثيل جعل أفراد أسرتها يغيرون من نظرتهم السلبية تجاه خيارها "وعندما أتيحت لهم الفرصة لمتابعة الأدوار التي أقوم بتمثيلها أدركوا أهمية الرسالة النبيلة التي أسعى لتوصيلها"
واستدركت قائلة: "حتى بعد مرور عدة سنوات على ممارستى للتمثيل بشكل احترافي وظهوري على الشاشة في عدة أعمال درامية فمازال الكثير من الناس ينظر إلي خياري بنوع من عدم الرضى. غير أن هناك من جهة أخرى مواقف التشجيع التي أحصل عليها في الشارع من طرف بعض المشاهدين، وأنا أعي أن كل تجربة تواجه صعوبات في البداية خصوصا في مجتمع محافظ كما هو الحال في موريتانيا"
اختلاف تجارب الممثلات
ولا تختلف تجربة آمي منت محمد الامين كثيرا عن تجربة الفتاة أنجاي منت شعيب ،وهي وجه تلفزيوني جديد، حيث قررت اقتحام عالم التمثيل لأول مرة خلال هذا الموسم الرمضاني من خلال لعب دور في مسلسل "وجوه من خشب" للمخرج بابا مين.
وتقول منت شعيب ل DW: "هذه أول مرة أخوض فيها غمار هذه التجربة ،كانت صعبة من حيث الاداء ولكنها مدهشة ومغرية ،ولكننى مصرة على مواصلة هذا المشوار كيفما كانت التحديات الاجتماعية "
منت شعيب تعترف بأنها شخصيا لم تواجه رفضا لعملها هذا من طرف الأسرة، بل إن والدتها شجعتها على دخول عالم التمثيل. ويعود السبب في ذلك إلى أن "والدتى ناشطة في المجتمع المدني ولها عقلية منفتحة، كما إنها تؤمن بأهمية دور الفتاة في الحياة الاجتماعية"
رفض المرأة بسبب الظهور على الشاشة
فاطمة منت سيدي اعلامية شابة بإحدى الاذاعات المحلية اعتبرت أن تحفظ المجتمع على ظهور الفتيات على الشاشة يعود إلى عدم وجود توازن في العلاقات بين الرجل والمرأة وتحدثت ل DW قائلة: "أنا أشجع ظهور الفتاة على شاشات التلفزيون بشكل مطلق، سواء كانت ممثلة أو مذيعة نشرات أخبار، فالأمر لا يخدش الحياء العام ولا يتنافى مع تعاليم الاسلام، لكننا للأسف نعاني من كبت قاتل بدون مبرر مقنع"
وأضافت منت سيدي بحرقة: "أنا شخصيا أعاني من عزلة حقيقية داخل محيطي الاجتماعي ويتملكنى القلق من عدم الحصول على زوج بسبب رفض المجتمع لعملي في مجال الاعلام وظهوري على شاشة التلفزيون" وتشرح ذلك قائلة: "الرجال في محيطي الاجتماعي القبلي نزعوا عني صفة الأنوثة وباتوا يقولون بأننى أصبحت متاحة للجميع وخاصة للرجال بسبب سماع صوتى عبر الأثير ورؤية صورتي على الشاشة الصغيرة "
الممثلة الموريتانية للا كابر
تعبير عن الذات
إقبال الفتيات على مهنة التمثيل في السنوات الاخيرة بموريتانيا يشكل حسب الباحثين بداية لموجة جديدة من الأجيال الشابة التي بدأت تنتفض ضد واقع القهر والكبت الذي يمارسه المجتمع على المرأة باسم الدين أوباسم التقاليد. وتضيف منت سيدي بحرقة أن الدراما المحلية تلامس بعض الاشكالات المطروحة في المجتمع الموريتاني مثل قضايا الفقر وظلم المرأة وانتشار ظاهرة الطلاق، ولذلك تسعى الفتيات إلى ممارسة هذه المهنة للتعبير عما تعانيه. وتختم المتحدثة بالقول" يمكن مقارنة إقبال المرأة على التمثيل في موريتانيا حاليا بظاهرة اقبال المرأة في الوطن العربي على كتابة الرواية باعتبارها تشكل متنفسا للمرأة للتعبير عما تعيشه من كبت وحرمان"
دوتشفيله