البطالة .. الحقيقة المتجاوزة

حقيقة تتأكد يوما بعد يوم، ويثبتها الازدحام والطوابير الطويلة أمام مراكز التشغيل، وعند شبابيك مسابقات اكتتاب الوظيفة العمومية، هي حقيقة البطالة المنتشرة في صفوف الشباب الموريتاني، والتي مهما حاولت الأرقام الرسمية تجاهلها، ومهما تم تجاوزها في الخطط الاقتصادية للدولة، تبقى ثابتة ثبوت حاجة العاطل لسياسة تشغيل عقلانية، تأخذ بعين الاعتبار مخرجات المدرسة، وتلبي حاجة السوق المحلي، فتجعل من الشاب قوة حية باستطاعته المساهمة في بناء وطن، يحتاج اليوم أكثر من أي وقت آخر إلى ثقة الشباب فيه، ثقة تتزعزع كل مرة وعند كل مسابقة لما يصاحبها من شيوع ممارسات خارج الأخلاق والقيّم، وتتنافى مع روح العدل والمساواة بين الجميع، ومع ذلك يتداعى آلاف الشباب كل عام آملين في أن يكون الحظ حليفهم في مسابقة ما يتنافس فيها الجميع " إلا من رحم ربك" على المقاعد القليلة التي تبقت بعد أن تقاسمت الوساطة والرشوة والمحسوبية جل المقاعد المطلوبة.

ممارسات تدفع الكثير من الشباب الموريتاني إلى رفع أقلامه عن المسابقات الوطنية، وقليل من أولئك يحظى بفرصته في القطاع الخاص ـ على علاّته ـ، بينما يكون مآل أغلبهم الوقوع ضحية الارتماء في كنف الجماعات الخارجة على القانون، سواء كانت جماعات دينية متطرفة أو عصابات الجريمة المنظمة، كما يصل الحال ببعضهم ويأخذه كفره بالدولة إلى حد الهجرة عنها، معرضا نفسه لمخاطر الهجرة الجمة في السفر، وفي الإقامة في بلدان تتنامى فيها النزعة العنصرية والنظرة الدونية للمهاجر، كما أنه بهجرته هذه يفرغ الوطن من طاقة حية، بل وقد يكون عقلا مفكرا أو مخترعا حرمه الإقصاء والتهميش من الإبداع والإنتاج في وطنه.

واقع مر بتفاصيله اليومية التي يعيشها العاطل عن العمل كنكرة في مجتمعه، غير قادر على المساهمة في الشأن العام، وإن حاول البعض من الشباب تجاوز المحنة والتغلب على الصعاب، منخرطا في أطر سياسية وحركية، تعمل على المشاركة في صنع القرار، إلا أن أغلب أولئك الشباب دفعتهم الحاجة إلى الانجراف وراء الأصوات الغوغائية، سعيا للانتفاع على حساب هموم المواطن، الذي لازال ـ رغم ما رأى وسمع من الشباب ـ يعلق آماله على هذه الفئة كصمام أمان لمستقبل البلاد، ولكن كيف يكون الشباب صمام الأمان وهو عرضة لتلاعب الدولة من جهة، والطوابير السياسية النفعية من جهة أخرى؟ تتوقف الإجابة على هذا السؤال عند ضرورة أن يدرك الشباب الحق من الباطل، وأن يكون قادرا على تمييز الصواب من الخطأ، وإنه من الصعوبة بمكان في ظل حاجة المستبد إلى شيوع الجهل في الناس، وبالموازاة تتقاعس النخبة عن دورها في تثقيف وتكوين الشباب، لتبقى المحاولات التقدمية القليلة في زماننا نبراسا ومشعلا يضيء للشباب دروبه، حتى في أحلك ظروفه وهو يعاني البطالة، وما يترتب عنها من تأثير على مدارك العاطل عن العمل.

ومما يدمى له القلب أن ينصاع الشباب الموريتاني بمختلف مستوياته العمرية والتعليمية والعلمية، وراء مسرحيات النظام الحاكم الهزلية، وهو يزغرد ويطبل لإنشاء المجلس الأعلى للشباب، ويشارك في استحقاقات جمعيته العامة، كما تهافت خلف سراب الذهب في صحراء العطش والهلاك، وقبل ذلك كله نوّم مغناطيسيا بمخدر اسمه تجديد الطبقة السياسية، كل ذلك حتى ينشغل الشباب عن معاناته كشريحة تشيع فيها مظاهر الجهل والفقر، وعن الاهتمام بوطنه المهدد بالتمزق.

نخلص إلى حقيقة معاناة الشباب الموريتاني، وخاصة حملة الشهادات في قطرنا العزيز، من إقصاء وحرمان الكثير منهم من حقوقه لا لشيء سوى أنهم لا مال لهم ولا نفوذ في زمن تشتري فيه الوظيفة أو يمنحها القريب قريبه، ولا نزال كذلك حتى نعود إلى النظام الإقطاعي الذي عاشته أوروبا في عصورها المظلمة، أو ربما هو بلوغ الدجى مبلغا ليس بعده إلا أن يتنفس الصبح، وإن غدا لناظره لقريب.

جريدة الدرب العربي

اثنين, 06/02/2017 - 09:39

          ​