البلدان المغاربية تطلق «بنك الاستثمار» بعد خلافات استمرت 20 عاما

تتسم المنطقة المغاربية بكونها الأقل اندماجا في العالم، إذ لا يتجاوز حجم مبادلاتها الثنائية 3 في المئة، ولا توجد مشاريع استثمارية مشتركة تُكرس مستوى أدنى من التكامل بينها. مع ذلك تأسس «اتحاد المغرب العربي» في 1989، بين تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا، على الخيار الاقتصادي بوصفه مدخلا لبناء تجمع إقليمي. لكن الخلافات السياسية لعبت دورها في إهدار فرص التكامل، قبل أن تحل القطيعة بين الجزائر والمغرب وتُقفل الحدود المشتركة اعتبارا من 1994. من هذه الزاوية يشكل الانطلاق الوشيك لـ«البنك المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية» (مقرُه في تونس) اللبنة الأولى في إحياء مشروع التكامل المغاربي. فإزاء تنامي أسواق التهريب على الحدود المغاربية، وما أفرزته من تعملق الاقتصاد المُوازي، الذي فكك قنوات التجارة الشرعية، يأتي استكمال مراحل إنشاء «البنك المغاربي» ليُنعش الاستثمار ويُنشط المبادلات التجارية البينية، وإن بأحجام صغيرة في البدء. وحُدد رأس مال البنك بـ150 مليون دولار دفعتها البلدان الأعضاء بالتساوي، واختير الوزير التونسي السابق للاستثمار الخارجي نور الدين زكري مديرا عاما له.

 

عشرون سنة

يمكن القول إن توافق البلدان الأعضاء في الاتحاد على هذه الخطوة، التي تأخرت أكثر من عشرين سنة، ربما يدفعها إلى اتخاذ خطوات مماثلة تُعزز التقارب السياسي. والأرجح أن ما سيتحقق على الصعيد الاقتصادي من مشاريع صناعية وزراعية وتجارية سيُساهم في استثمار الامكانات المهدورة حاليا، والتي أكدت دراسات استند عليها البنك أنها تحتاج في الدرجة الأولى إلى إرادة العمل المشترك، أي إلى قرار سياسي. وبناء على تلك الدراسات قدَر زكري أن تأخير إقامة منطقة اقتصادية مغاربية يُكلفُ البلدان المغاربية خسارة تعادل، حسب البلد، نقطة أو نقطتين من نسبة النمو المُحققة سنويا. وقال إن استراتيجية البنك تعتمد على وضع الدراسات وإعداد المشاريع وتمويلها، وليس انتظار مجيء المستثمرين إليه. وتوقع أن تبدأ عمليات البنك الأولى في الثالث من السنة الجارية، مع التركيز على القطاع الخاص، لاسيما المشاريع الاندماجية والمشاريع المُصدرة الموجهة للأسواق المغاربية.

 

أوروبا وأمريكا

تولي كل من أوروبا وأمريكا أهمية كبيرة للتكامل الاقتصادي المغاربي، وهما حضتا منذ تسعينات القرن الماضي على إزالة الحدود بين البلدان الخمسة أملا بإنشاء سوق قوامها نحو 100 مليون مستهلك. وعرضت الولايات المتحدة في 1999 على لسان مساعد وزير الاقتصاد آنذاك ستيوارت أيزنستات على كل من تونس والجزائر والمغرب إزالة الحدود بينها لإقامة منطقة تبادل حر، بما يفتح أبواب السوق المغاربية على مصراعيها أمام الاستثمارات الغربية. إلا أن قادة البلدان الثلاثة رفضوا العرض. وسعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، جماعيا وبشكل فردي، لإقناع البلدان الثلاثة بالانخراط في «سياسة الجوار»، التي صاغها الاتحاد في قمة ستوكهولم (2001)، تمهيدا لتوسعته، إلا أن شروطها وتبعاتها لم تكن مقبولة من الجانب المغاربي، الذي حاور أوروبا في صفوف متفرقة ومتصارعة.  
وإذا ما تحركت عجلة المبادلات الثنائية في الأمد المنظور ربما تكون المنطقة عائدة إلى مناخ الانفراج الذي ساد في ثمانينات القرن الماضي، مع مدِ أنبوب الغاز الجزائري إلى اسبانيا عبر المغرب، وإحداث مصانع تونسية جزائرية في المناطق الحدودية المشتركة، ما مهد الأجواء لتأسيس «الاتحاد المغاربي» لاحقا في مراكش. وتواترت في الفترة الأخيرة معلومات عن احتمال معاودة فتح الحدود الجزائرية المغربية، وإذا ما تأكدت تلك الخطوة ستكون لبنة مهمة في تنشيط الاتحاد، لأنالجزائر والمغرب يشكلان ثنائيا استراتيجيا وازنا بثقلهما السكاني ومواردهما الطبيعية وموقعهما الجغرافي، ما يُؤهلهما للعب دور مماثل لدور الثنائي الفرنسي الألماني في بناء الاتحاد الأوروبي.

القدس العربي

أحد, 12/02/2017 - 00:53

          ​