أصبح التطرف والارهاب في عصرنا اليوم رديفان يرمزان الي أكبر خطر يمكن أن تواجهه أمة مهما كانت ‘ لما يخلفانه من تدمير وهدم لمنظومة القيم الأنسانية المتعارف عليها . قبل هدم وتدمير الانسان نفسه .
ولتسليط الضوء علي هذه الظاهرة السيئة و ولمحاولة رفع اللبس عن بعض المفاهيم المتعلقة بهذا المجال قسمت هذه الورقة الي عدة محاور:
المحور الأول مفهوم التطرف
لأسباب أغلبها ناتج عن التضليل الاعلامي ، يتجه التفكير دائما حال الحديث عن التطرف إلى التطرف الديني والاسلامي منه خاصة ‘ وذلك بحكم المعركة الشرسة التي تخوضها الآلة الإعلامية الغربية بغية ربط التطرف والإرهاب بدين الإسلام وبخاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتنبر فى أمريكا .
ولإن كان لهذا الطرح بعض من الوجاهة بحكم القراءة السطحية للاحداث من جهة ‘ و طبيعة وأصول المنفذين لعملية الحادى عشرسبتنبرمن جهة أخرى ‘ إلا أنه بقراءة متأنية منا نحن كمسلمين‘ فإن الأمر ليس كذلك.
ففي اعتقادنا أنه يقصد بالتطرف في الغالب الأعم الخروج عما اعتاده الضمير الجمعي من سلوك وأفكار وتصرفات ،وليس بالضرورة اقتصار التطرف علي المجال الديني بل إنه قد يشمل وهو كذلك غالبا مجالات أخرى ‘ سياسية و إجتماعية و اقتصادية من قبيل التطرف العرقي والعنصري السائد في المجتمعات الغربية ،ويعني هذا بداهة انه لايوجد أبدا تطرف خاص بدين، أحرى أن يكون لصيقا بدين الإسلام.
ففي المجال الديني هناك متطرفون من أتباع كل الديانات السماوية والوضعية ‘ وحتى من أتباع بعض الأديولوجيات ، فهناك متطرفون يهود ومتطرفون مسيحيون وهندوس وعلمانيون ومتطرفون في الإلحاد ‘ وهناك فعلا متطرفون مسلمون .وبهذا المعنى يكون المقصود بالتطرف هو ذلك الفهم المتشدد الذي يحصل لدى البعض لنصوص الدين وهو في الغالب ما يؤدي به إلى الوقوف عند معان حدية للنصوص ودون التفكير في المقاصد الشرعية لتلك النصوص.
وهكذا نظل في دائرة التطرف طالما كان الأمر محصورا في حيز الإنحراف الفكري، لكن إذا تجاوز التطرف مستوى الفكر وظهر في صورة تهديد بالعنف أو ممارسة فعلية لذلك العنف فإنه يكون قد تجاوز إلي مرحلة الإرهاب سواء كان ذلك العنف ضد الدولة أو المجتمع وبأي شكل كان.
المحور الثاني مفهوم الإرهاب
قلنا إن مصطلح التطرف يطلق على كل خروج غير عقلاني على ما اعتاده المجتمع كمنظومة سلوك دينية وأخلاقية ‘وأنه حالما يتجاوز المتطرف حيز الفكر إلي ممارسة أي نوع من أنواع العنف بغية تجسيد أفكاره ،يكون بذلك قد دخل حيز الإرهاب ‘ وبهذا المعنى فإن الإرهاب هو مرحلة متقدمة من الغلو والتطرف في فهم القيم والنصوص ثم التجاوز بأي شكل كان إلى تجسيد هذه الأفكار بواسطة الممارسات العنيفة أيا كان شكلها.
وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت الأمم المتحدة تعكف على مفاوضات دارت على مدى عشرين سنة تهدف إلى تحديد مفهوم مقبول للإرهاب يهدف إلى الفصل بين المقاومة المشروعة ضد الإحتلال الأجنبي أيا كان‘ وبين جماعات الإرهاب العشوائية ،وقتها قلبت الولايات المتحدة طاولة المفاوضات علي جميع المتحاورين بعد الحادى عشر من سبتنبر ، حيث هدد الرئيس بوش الجميع بمقولته الشهيرة "إنكم إما معنا في الحرب على الإرهاب أو مع الإرهابيين ".
وبفعل لعبة خلط الأوراق هذه التي قامت بها آمريكا أصبحت إسرائيل المحتلة لفلسطين هي ضحية لإرهاب الفلسطينين وبالتالي فهي محقة في قتلهم وتشريدهم والإستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم ، وقد تسنى بهذا المعنى لأمريكا استصدار القوانين وإستنفار المجتمع الدولي من أجل إضفاء نوع من الشرعية على احتلال أفغانستان والعراق لتبدأ بذلك مرحلة أخرى يمكن أن نسميها مرحلة إرهاب الدول أو ترهيبها .
المحور الثالث إرهاب أو ترهيب الدول
كان الرئيس الأمريكي جورج بوش كما أسلفنا قد قلب طاولة مفاوضات الأمم المتحدة الهادفة إلى تحديد مفهوم مقبول لظاهرة الارهاب ،ليبدأ بذلك مرحلة جديدة قوامها ترهيب بعض الدول وممارسة الارهاب على أخرى من خلال مفهومه الجديد "إما معنا او مع الارهاب"
وبطبيعة الحال بدأ الامريكيون باستنفار المجتمع الدولي لهذا الغرض من خلال منظمة الامم المتحدة من جهة والأنظمة العربية المصابة بالهلع الشديد نظرا لانحدار غالبية مهاجمى الحادى عشر من سبتنبر منها ،وهكذا انخرطت هذه الأنظمة الرجعية المهزوزة فى لعبة أمريكا ،فساهمت فى تدمير أفغانستان والعراق ،وفى مرحلة لاحقة بدأت أمريكا تفرض على الانظمة الخليجية وعلى حركة الاخوان المسلمين نوعا جديدا من الترهيب يمكن أن نسميه سياسة دفع الشبهات ،بمعنى أن العربية السعودية على وجه الخصوص وقطر حاضنة الاخوان المسلمين أصبحتا مدفوعتين بحكم انتماء غالبية الجيل الجديد من الارهابيين إليهما إما فكرا أو انتماء أو هما معا ‘أصبحتا مدفوعتين إلى الانخراط فى اللعبة الامريكية بشكل أوتوماتيكي لمجرد دفع شبهة الارهاب ،وبهذا المعني يمكن أن نفسر الاندفاع الجنونى لتلك الأنظمة ولحركة الاخوان المسلمين فى ما يعرف بالربيع العربي الذى أهلك الحرث والنسل فى هذه الامة وأحرق الاخضر واليابس ،فدمرت ليبيا بعد العراق وأفغانستان وأحرق اليمن وتعانى مصر وتونس والجزائر مراحل أقرب ما تكون إلى الاقتتا ل الداخلى .
وأما الملف السورى فحدث ولاحرج ولربما يصبح بعون الله تعالى الصخرة التى ستتحطم عليها كل هذه المشاريع الهدامة .
ولعل المتتبع لما يجرى فى الساحة السورية يدرك مدي التلاعب بمفهوم الارهاب لدى المنظومة الدولية .
فمن المعلوم أن دولا عربية بالاضافة إلى تركيا وحركة الاخوان المسلمين هي من اختلق داعش وأخواتها من جبهة النصرة وجيش الاسلام وغيرهم من العصابات الارهابية ومولوها وأمدوها بالمال والسلاح والرجال مدعومين من طرف بعض الدول الاوربية والامريكيين ‘ولكن صمود الشعب السورى المجاهد وجيشه البطل وبسالة المقاومة الاسلامية وجدية الحلفاء الايرانيين والروس فى مواجهة هذا الارهاب المدعوم من طرف قوى الاستكبار ومن الرجعية العربية .كل هذه العوامل أدت بدون شك إلى قلب للطاولة وبشكل معاكس هذه المرة وأكثر قوة مما فعل الامريكيون بعد الحادى عشر من سبتنبر.
ولعل هذا ما يفسر التباكي المبطن لبعض الأطراف العربية وحواضن حركة الاخوان المسلمين على ما يعانيه حلفاءهم فى داعش والنصرة من دك للحصون على يد الجيش العربي السورى وحلفائه ‘ ويبدو ذلك واضحا من خلال آخر شعاراتهم المرفوعة والمتعلقة بما يسمونه احتراق حلب ،والحق أن حلب بل وسوريا عامة تحترق منذو سنوات على يد الارهاب المدعوم من الغرب وبعض الأنظمة العربية وحواضن الاخوان المسلمين ‘وإنما الشعار الصحيح أن حلب تنتصر وان الجيش العربى السورى وحلفائه فى طريقهم إلى إطفاء الحريق المشتعل أصلا فى حلب وإعادتها إلى وضعها الطبيعى .
المحور الرابع المقاربة الموريتانية لمكافحة التطرف والارهاب
ولإن كانت دول عربية ومسلمة قد انهارت بفعل الارهاب المنظم ومخلفات ربيع الدمار العربي ‘فإن دولا أخرى قدتجاوزت تلك المرحلة بعون الله ويقظة أهلها ‘ومن بين تلك الدول موريتانيا التى تولى القيمون على الأمر فيها تنفيذ مقاربة أثبتت فى النهاية أنها من أكثرمقاربات مكافحة الإرهاب نجاعة وتماسكا .
ويمكن تلخيص المقاربة الموريتانية فى مستويين اثنين :
المستوى الاول الجانب العسكري والامني
حيث استطاعت السلطات الموريتانية منذوالعام 2008أن تتبني استراتيجية أمنية وعسكرية مكنت فى المحصلة من إخراج البلد من عنق الزجاجة الذى كان قد حوصر فيه نتيجة للضربات المتتالية التى وجهتها الجماعات الإرهابية والتى طالت حتى أهم مؤسسة فى البلد وهي القواة المسلحة وهكذا أصبحت موريتانيا معبرا للإرهاب وسوقا مفتوحة لخطف الاجانب والمتاجرة بهم .
غير أن المقاربة العسكرية التى تبنتها السلطات الموريتانية منذو العام 2008 والمتمثلة فى خلق مؤسسة جيش جمهوري قوى ومتماسك ، وتسخير الموارد الضرورية اللازمة لتسليحه وتدريبه وتحسين ظروف أفراده كل ذلك مكن بحمد الله تعالى من امتلاكه قوة وجاهزية لمواجهة خطر الارهاب.وهكذا مكنت هذه الظروف وبشكل واضح من نقل المعركة إلى معاقل المتطرفين وضربهم حيث خطوطهم الخلفية والتى كانوايعتقدونها آمنة .وبذلك تمكنت قواتنا المسلحة من تحصين التراب الوطنى ونقل المعركة إلى معاقل العدو الارهابى . أما المستوى الثاني للمقاربة الموريتانية لمكافحة الارهاب فقد كان على المستوى الفكرى والسياسي والاجتماعى ‘حيث اعتمدت السلطات العمومية آلية مدنية متحضرة للقضاء على الغلو والتطرف ‘وهما منبعى الارهاب كما هو معلوم ‘وذلك من خلال أبعاد مختلفة نذكر منها بشكل سريع :
فتح فضاء واسع من الحريات غير مسبوق –حرية الراي –حرية النشر والتعبير –حرية الممارسة السياسية والنقابية والجمعوية .كل هذه الفضاءات سمحت بامتصاص موجات الاحتقان التى كانت قائمة وبالتالى مثلت للشباب متنفسا للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم فى ظروف لاتطالها أية مضايقة .
وموازاة مع هذا الفضاء الواسع من الحريات العامة اتجهت السلطات الموريتانية وإيمانا منها بأن التدين فى حد ذاته ليس مصدرا للارهاب بأي حال من الاحوال ، فالمجتمع الموريتاني متدين والحمد لله وبشكل عام ‘وإنما مصدر الارهاب هو الغلو والتطرف ومصدر التطرف إما سياسي أوناتج عن فراغ علمي ‘قامت السلطات فى هذا المجال بعدة مبادرات استهدفت دعم المؤسسات الدينية من مساجد ومحاظر فاكتتبت الأئمة وتبنت بالدعم غالبية المحاظر واستحدثت جامعة العلوم الاسلامية وأطلقت إذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة.
ثم من ناحية ثانية فتحت السلطات العمومية حوارا بين العلماء وجميع المعتقلين لشبهات تتعلق بالعقيدة السلفية المتطرفة ‘وهوالحوار الذى كلل فى النهاية بعودة أكثرمن ثمانين بالمائة من السجناء إلى جادة الصواب ‘ثم عززته السلطات بإطلاق مشاريع اقتصادية لصالح هؤلاء الشباب مكنت فى النهاية من توجيههم ليصبحوا أشخاصا صالحين وفاعلين إيجابا في الامة والمجتمع.
تلكم أيها السادة والسيدات أبرز المخاطر المجملة لظاهرة التطرف والارهاب وأبرز الخطوط العريضة للمقاربة الموريتانية لمحاربتها والتى نعتقد أنها مكنت بحمد الله تعالى من تحصين بلادنا ونقل معركتها مع الارهاب إلى خارج الحدود ."
امهادي ولد الناجي
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ورقة مقدمة في ندوة عن الإرهاب والتطرف