أكد سفيرالمغرب في موريتانيا عبد الرحمن بنعمرأن تخليد الذكرى الخامسة عشرة لتربع جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافة الميامين يأتي في وقت تشهد فيه المملكة، تحت القيادة الرشيدة لجلالته، انفتاحا متواصلا وتطورا مضطردا وأوراشا ضخمة وإصلاحات مهيكلة كبرى في شتى المجالات.
وفي مايلي نص الكامل لخطاب السفير:
الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الأساتذة الأفاضل،
نحتفل اليوم بالذكرى الخامسة عشرة لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه المنعمين، وهي مناسبة طافحة بالرموز والدلالات العميقة، تقدم نموذجا لا مثيل له، يتجسد في الرباط المقدس بين الملك والشعب، في مسيرة موسومة بالحداثة والحس الإنساني الرفيع، تتجدد فيها أواصر الولاء الدائم والعروة الوثقى والتلاحم العميق بين الشعب والعرش، وهي بيعة مستمرة لملك البلاد، بصفته أميرا للمؤمنين وممثلها الأسمى.
ومن هنا أحرص في حديثي في مثل هذه المناسبة السعيدة، على أن أجعل منها وقفة وفرصة لمشاطرتكم بعض الأفكار والمعطيات حول خيارات ورهانات التنمية المطروحة في المغرب، والإجابة على بعض التساؤلات حول مسار وطبيعة العلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
في البداية أود أن أغتنم هذه المناسبة لأتقدم إلى فخامة السيد محمد ولد عبد العزيز رئيس الجمهورية، بأصدق عبارات التهاني على إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية لولاية ثانية، خلال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها موريتانيا في الحادي والعشرين من شهر يونيو 2014، مع تمنياتي لفخامته بالنجاح والتوفيق في مهامه القيادية، كما أود أن أهنئ موريتانيا على نجاحها في انجاز هذا الاستحقاق الدستوري.
ولا يفوتني في هذه المناسبة أيضا أن أتقدم إليكم بأصدق عبارات التهاني بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد، وهي مواعيد حافلة بالمعاني الروحية والحضارية البليغة ، أتوجه فيها بخالص الدعاء إلى الله تبارك وتعالى، بأن ينعم على الشعبين المغربي والموريتاني بسابغ الأمن والطمأنينة والعيش في سلام، والمزيد من الرفعة والازدهار، وأن يجعل هذه المناسبة فاتحة خير وبركة علينا، وأن يلهم قيادتيهما الحكيمتين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز السداد والتوفيق في حمل الأمانة، ويقوي عزيمتهما في سبيل التغلب على الاكراهات ورفع التحديات، والعمل يدا في يد في سبيل استكمال صرح اتحادنا المغاربي المنشود، ليكون قاطرة للتقدم والتنمية المشتركة للدول الخمس، وضمانة حقيقة لوحدة شعوبها وأمنها ورقيها.
تحل هذه الذكرى العزيزة في مرحلة تتسم بتواصل الانجازات التي تحققت منذ تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله مقاليد الحكم في الثلاثين من يوليوز1999، وفي مقدمتها توسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان، وجعل العدالة في مقدمة الاوراش الإصلاحية، لاسيما وأن الدستور الجديد لسنة 2011 وضع استقلال القضاء في صلب منظومته، وقد عمل جلالته على ترسيخ المسار الديمقراطي والتوجه نحو الحداثة وتعزيز دولة القانون، والرعاية الاجتماعية الشاملة، والحقوق الثقافية، وحرية الصحافة والتعبير.
تلكم كانت الخيارات الأساسية التي كرسها الدستور الجديد للمملكة، لترسخ النموذج المغربي المتميز في توطيد صرح الدولة المغربية العصرية، المتشبعة بقيم الوحدة والتقدم والإنصاف والتضامن الاجتماعي.
لقد أبدى جلالة الملك حرصه الشديد على الاهتمام بانشغالات المواطنين، وهو نفس الاهتمام الذي أحاط به أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، كما انكب جلالته على تفعيل التنظيم الترابي الجديد، في إطار حكامة جيدة لتحقيق تنمية بشرية عادلة ومنصفة، وحرص جلالته على جعل العنصر البشري في صلب كل المبادرات التنموية وهو ما تجسده المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي حققت نتائج ايجابية لفائدة الفئات المعوزة.
وتتسم المرحلة الجديدة بارتفاع معدل الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي اعتمدها المغرب منذ مطلع الألفية الثالثة، عبر تحسين مجال الأعمال، وتوفير المناخ الملائم للاستثمار، وتنويع القاعدة الإنتاجية، وتعزيز البنيات التحتية، كلها شكلت قاطرة للنمو في القطاعات الصناعية والفلاحية والصيد البحري والخدمات والطاقة والتكنولوجيا الحديثة، ثم السياحة عبر مشروع المخطط الأزرق. في هذا السياق قد قام جلالة الملك بتدشين وإعطاء الانطلاقة لعدد من الأوراش والمشاريع المهيكلة.
وباعتراف جميع المراقبين الدوليين فقد شهد المغرب تحولات في العمق خلال 15 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس، في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، فقد تصالحت البلاد مع ماضيها وجذورها وكانت إحدى الأسباب التي جنبت البلاد موجة الربيع العربي، وسارع جلالته إلى تحديث الدولة وواجه بشجاعة وحنكة تحديات اجتماعية كبرى، في مقدمتها مكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي، وتسريع وتيرة المشاريع الحضرية المتجددة؛ كل ذلك ساعد على بروز طبقة عصرية فاعلة في مجال التنمية. أما على الصعيد الخارجي فكان التوجه نحو إفريقيا، حيث قام جلالته بعدة زيارات لعدد من البلدان الإفريقية مركزا على الجانب الإنساني والاجتماعي والاقتصادي، والتعريف بمبادئ الإسلام المتسامح والمعتدل والوسطي.
إن المغرب يواجه في الوقت الراهن التحديات المصيرية للعالم بنجاحات أكبر على المستوى السياسي والحقوقي والاجتماعي والثقافي، لأنه حسم المسألة السياسية، وقام بتسوية مسألة الحكامة وضبط موضوع الحقوق، وحدد بشكل شرعي توازن السلط من خلال إقرار دستور فاتح يوليوز 2011، والرهان في الوقت الحالي يجري على تنزيل الدستور على أرض الواقع وفق مقاربة تشاركية متوافق بشأنها.
وتبدو صورة المغرب في ظل حكم جلالة الملك محمد السادس، كبلد هادئ موحد مطمئن ملتزم ببلوغ أهدافه، في ظل حرص وسهر جلالته على الحفاظ على هذا التوجه، يتبعه في ذلك المغاربة بمقتضى العقد الذي يربطهم منذ قرون بالملكية والذي يكفل الاستقرار والرفاه للجميع، في إطار الوفاء المشترك الذي أظهر قوته وفعاليته.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
تواصل الدبلوماسية المغربية جهودها إلى جانب المجتمع الدولي للمساهمة في تمكن البشرية من أن تنعم بالسلم والأمن والاستقرار، كما تعمل على الدفاع عن وحدة وسلامة التراب الوطني المقدس، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع مختلف الشركاء في مختلف بقاع العالم، في إطار تضامن مغاربي، عربي، إسلامي وإفريقي متين، منفتح على بلدان الساحل والصحراء، مع حفاظه على الوضع المتقدم مع أوروبا، وتعاونه المثمر مع دول القارتين الأمريكية والأسيوية.
وتظل قضية الوحدة الترابية للمغرب، في طليعة اهتمامات المغاربة كافة ملكا وحكومة وشعبا، ومن أجل التوصل إلى حل سياسي توافقي قدم المغرب، بعد فشل مشروع الاستفتاء، إلى الأمم المتحدة في أبريل 2007 المبادرة الخاصة بتخويل الصحراء المغربية حكما ذاتيا موسعا يحمل في ثناياه السلم والرخاء للجميع واحترام الخصوصية الثقافية. وقد حظيت هذه المبادرة باهتمام دولي كبير تقديرا لانسجامها مع الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي.
ولن يألو المغرب أي جهد في سبيل دعم جهود الأمم المتحدة لتجاوز المأزق الراهن والانفتاح على الحوار، بالاستناد على المبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها العرض الوحيد العملي المطروح على طاولة التفاوض.
على صعيد آخر، يستمر الاهتمام بالأقاليم الجنوبية شأنها شأن باقي أقاليم المملكة بالعمل البناء في سبيل تنفيذ المزيد من المشاريع والاوراش التنموية ، لتحقيق مزيد من الازدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي في إطار تفعيل الجهوية المتقدمة، لما تسمح به من مشاركة السكان في تدبير شؤونهم المحلية وتحديد مسارهم في التنمية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
يظل الصرح المغاربي، المتجسد في اتحاد المغرب العربي، يطرح التساؤلات على أقطاره الخمسة، عما بذل من جهود في سبيل صيانة هذا المكتسب التاريخي الكبير، وتجسيده وفق أهداف معاهدة مراكش، كاتحاد مغاربي متماسك ومتضامن يستجيب لطموحات شعوبه نحو المزيد من التكامل والاندماج.
وقد جدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس لقادة الدول الأعضاء في الاتحاد بمناسبة حلول الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس هذا الاتحاد، حرص المملكة المغربية الدائم على تجسيد أحكام ومنطوق مبادئ اتحادنا المغاربي، ودعم كل المبادرات التي تضمن استمراريته وتجسيد حيويته كإطار وحدوي، لا محيد عنه لرفع التحديات الجماعية التي تواجه الشعوب المغاربية، والانخراط في سيرورة التكتلات السياسية والاقتصادية القوية التي تلفظ الكيانات الوهمية، ولا تعترف إلا بالمرتكزات الوحدوية والثوابت الوطنية الضاربة جذورها في عمق التاريخ.
لقد أصبح علينا اليوم الانتقال من مرحلة الانكماش السياسي الداخلي إلى مرحلة تفعيل آليات التشاور السياسي وتعزيز المكتسبات لتطوير هياكل الاتحاد، في ظل الاحترام المتبادل لسيادة الدول بعيدا عن مخططات التشطير والتجزئة والتفرقة في عالم مغاربي قائم أصلا على التكتل والوحدة والإيمان بالشراكة والتوافق، فلا مجال لتضييع المزيد من الوقت والتنويم الطويل لآليات اتحاد المغرب العربي، الذي نريده أن يهب الشعوب المغاربية ثقة وأمانا للعيش في بيت مغاربي حصين، قادر على أن يمنحهم فرصا ثمينة لتحقيق التنمية الشاملة المنشودة والاستفادة من التعاون بين دوله، ذات الخيرات الهائلة التي يمكنها أن تغطي النقص الموجود في كل دولة على حدة.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إن الحديث عن العلاقات المغربية الموريتانية هو حديث يثير فضول الكثيرين، وأود بهذه المناسبة أن أعرض ولو بشكل موجز واقع وطبيعة هذه العلاقات ومسارها ومستقبلها، فهي علاقات كما يعلم الجميع ذات عمق تاريخي تقوم على وشائج القربى والترابط القبلي والاجتماعي والثقافي والروحي، فهما يتقاسمان علاقات تاريخية متينة منذ قرون يحكمها الجوار الجغرافي الذي يعد مبدأ أساسيا في تنظيم العلاقات السياسية بين الدول المتجاورة، والنجاح في تأمين مبدأ حسن الجوار ينعكس بشكل إيجابي على المصالح الحيوية للبلدين، ويجعل المنطقة الجغرافية التي يتموقعان فيها واحة تعاون وأمن واستقرار وتنامي للمصالح بما يعود بالنفع على شعبي البلدين.
ولا يفوتني هنا أن أطمئنكم بشأن الغد الواعد للعلاقات المغربية الموريتانية، المبني على قواعد متينة ورصيد زاخر من التعاون البناء والمتصاعد على مدى أكثر من ثلاثين سنة، والذي يدعونا إلى التفاؤل ويبشر بمستقبل أفضل كفيل بأن يعزز قواعد الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل، والبحث عن آفاق تعاون جديدة تحافظ على علاقات الماضي العريق وتؤسس لمرحلة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وغيرها، بشكل يحصن كيان هذه العلاقات ويعطيها القوة والمناعة لمواجهة التحديات.
في هذا السياق، يبذل قائدا البلدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز جهودا جبارة لوضع لبنات جديدة لتدعيم صرح هذه العلاقات والسعي لتعزيز ارتباطها في شتى المجالات، كما يعطيا الإشارات تلو الأخرى إلى حكومتيهما لتوثيق أسس هذا التعاون وتطويره بالشكل الذي يرقى إلى تطلعاتهما ونظرتهما المستقبلية.
فعلى المستوى السياسي وفي إطار اهتمام المغرب ومتابعته للانتخابات الرئاسية التي عرفتها موريتانيا شهر يونيو الماضي، فقد كان صاحب الجلالة الملك محمد السادس أول المهنئين لفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية لولاية ثانية، والتي أكد فيها جلالته حرصه الدائم على مواصلة العمل سويا مع فخامته من أجل تعزيز علاقات التعاون البناء بين البلدين، والارتقاء بها إلى مستوى الروابط التاريخية العريقة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين التواقين إلى تحقيق تكامل اقتصادي ناجع، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار الاتحاد المغاربي الكبير.
كما شاركت بعثة مغربية في الإشراف على مراقبة الانتخابات الرئاسية ضمن مجموعة المراقبين العرب والأفارقة والدوليين، وخرجت البعثة المغربية بانطباعات جيدة حول سير العملية الانتخابية في موريتانيا، مسجلة أن موريتانيا تفوقت في اجتياز هذا الاستحقاق الدستوري، الشيء الذي مكنها من تدشين محطة جديدة على درب الإصلاحات الديمقراطية بكل ثبات ومسؤولية.
وتتواصل الحركة الدبلوماسية الهادئة والدؤوبة بين الرباط ونواكشوط من خلال الزيارات الرسمية المتبادلة للمسؤولين على كافة المستويات، لتعزيز فرص التعاون، وآخرها زيارة السيد أحمد ولد تكدي وزير الشؤون الخارجية والتعاون إلى الرباط، الذي سلم قبل يومين رسالة خطية إلى جلالة الملك محمد السادس من طرف أخيه فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وشكل انعقاد الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة المغربية الموريتانية بنواكشوط أواخر شهر أبريل 2013، برئاسة السيدين عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة ومولاي ولد محمد لغظف الوزير الأول، لبنة أخرى لتفعيل العلاقات بين البلدين الشقيقين من شأنها ضخ دماء جديدة في مسار التعاون المغربي الموريتاني، بالتوقيع على 11 اتفاقية وخمسة برامج تنفيذية ومذكرة للتفاهم، جاءت في مجملها بهدف فتح آفاق واعدة للتعاون والتقارب.
لم تتوقف مسيرة التعاون البناء عند هذا الحد، فقد تمكن المغرب وموريتانيا خلال هذه السنة من تحقيق برامج تعاون متعدد المجالات، في الصحة والنقل والزراعة والثقافة والفن والشباب والرياضة والطفولة وغيرها، وهي في مجملها تشكل أسس الشراكة التنموية والإستراتيجية بين البلدين، وتعكس العزم القوي على مواصلة المسار التعاوني لجعل العلاقات تتنامى بشكل مضطرد.
ونسجل هنا بالمناسبة الحركة الدؤوبة للاستثمار المغربي في موريتانيا من خلال إقبال رجال أعمال وشركات مغربية كبرى إبان السنتين الأخيرتين على الاستثمار في موريتانيا لاسيما بالمنطقة الحرة في نواذيبو، وأيضا المساهمة في مشاريع كبرى في مجالات الزراعة والري والتغذية والبناء والتعمير وغيرها، وتقدر مجموع هذه المشاريع بملايين الدولارات، نذكر منها على سبيل المثال توقيع اتفاق بين موريتانيا ومجموعة "يونمير" المغربية على أكبر مشروع استثماري أجنبي بالمنطقة الحرة بنواذيبو لإنشاء مركب صناعي لتحويل الأنواع السطحية تبلغ قيمته 28 مليون دولار، والمساهمة القيمة لرجل أعمال مغربي في مشروع بناء أكبر مركب لتربية الدواجن بنواكشوط بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 35 مليون دولار.
وستعرف السنوات المقبلة بحول الله تزايدا أكبر لوتيرة النشاط الاستثماري المغربي في هذا البلد الشقيق، سيعطي لامحالة دفعة قوية للعلاقات المغربية الموريتانية، خاصة مع وجود إطار قانوني شامل من الاتفاقيات والبروتوكولات التي تحيط بكل جوانب التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي بين البلدين.
ليس رجال المال والأعمال من ترتفع أسهمهم في سماء العلاقات المغربية الموريتانية، بل لرجال العلم والثقافة والتكوين والتأطير نصيبهم في إغناء هذه العلاقات وتوسيع نسيجها وتنويعه، وأذكر هنا بالمناسبة على سبيل المثال لا الحصر مجموعة من الاتفاقيات والبرامج التكوينية التي تم تبنيها بين الجانبين، كالاتفاقيات الموقعة بين المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط والمدارس العليا الموريتانية وجامعة العلوم والتكنولوجيا والطب بنواكشوط، اتفاقيات بين مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط وبين جامعة العلوم الإسلامية بلعيون الموريتانية، اتفاقية بين جامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة شنقيط العصرية، تضاف إليها اتفاقيات شراكة بين أندية رياضية مغربية ونظيرتها الموريتانية. وتهدف مجموع هذه الاتفاقيات إلى تعزيز أواصر التعاون بين البلدين.
وتواصل برامج التكوين المستمر للأطر الموريتانية بالمغرب نشاطها، وهي في تزايد مستمر سنة عن أخرى في عدة تخصصات منها الكهرباء والبناء وميكانيك السيارات والمكننة الفلاحية والهندسة المدنية والصيانة الفلاحية الغذائية وتدبير المقاولات والفندقة والمسح الطبوغرافي والمعلوميات وغيرها، فقد استفاد ثمانية أطر تابعين لقطاع التكوين المهني بموريتانيا من جولة دراسية بالمغرب خلال شهر فبراير 2014 تحت إشراف المكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل بالمغرب، مكنتهم من التعرف على مختلف جوانب التكوين المهني، كما استقبل المكتب المغربي خلال السنة التكوينية 2013/2014 ما مجموعه 39 متدربا موريتانيا من مختلف القطاعات مشكلين بذلك أهم جالية من المتدربين الأجانب.
وتندرج هذه الدورات التكوينية في بنود اتفاقية التعاون بين مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، والوزارة الموريتانية المكلفة بالتشغيل والتكوين المهني، التي وقعت في 24 أبريل العام الماضي بنواكشوط، بمناسبة انعقاد الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة المغربية الموريتانية. في نفس السياق تم إيفاد بعثة تكوينية مغربية في ميدان الانكولوجيا إلى نواكشوط خلال شهر أبريل 2014 ولمدة أسبوع، وذلك في إطار اتفاق الشراكة الموقع بمدينة مراكش شهر يناير 2012، بين جمعية للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان والمستشفى الجامعي ابن رشد، وبين العصبة الموريتانية لمحاربة السرطان والمركز الوطني للانكولوجيا بنواكشوط.
وتجسيدا لوشائج الأخوة والصداقة التي تربط بين شعبي البلدين، زارت قوافل طبية مغربية موريتانيا لتقديم المساعدات الطبية الإنسانية لفائدة المرضى من الفقراء وذوي الوضعيات الاستعجالية، في اختصاصات أمراض القلب والشرايين والجراحات العامة والعظام والعيون والأنف والحنجرة والجهاز الهضمي والأمراض الجلدية والصدرية، كما شكلت زيارات الأطباء المغاربة فرصة لتكوين عدد من الأطر الطبية الموريتانية والاستفادة من الخبرات الطبية المغربية في هذا المجال.
ويظل التعاون في مجال التعليم العالي، نموذجا حيا ومرآة ساطعة للعلاقات بين البلدين، إذ بفضله تمكن عدد كبير من الطلبة الموريتانيين على مدى أكثر من ثلاثين سنة من متابعة دراساتهم العليا بمختلف التخصصات في الجامعات والمعاهد العليا المغربية والاستفادة منح دراسية مغربية، ومن المنتظر أن تجتمع بنواكشوط خلال الأسبوع الأول من شهر غشت المقبل، اللجنة المغربية الموريتانية المكلفة بانتقاء الملفات الخاصة بالمنح والمقاعد الدراسية المخصصة للطلبة الموريتانيين، برسم السنة الأكاديمية 2014-2015، لتهيئ أفضل الظروف لالتحاق الطلبة الموريتانيين بالمؤسسات الجامعية بالمملكة.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
إلى جانب الدبلوماسية الرسمية تتحرك الدبلوماسية الموازية بدورها بين البلدين على مستوى الأحزاب السياسية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، غايتها اتخاذ مبادرات في شتى الاتجاهات والانفتاح على بعضها البعض والانخراط في خدمة ودعم القضايا التي تهم العلاقات بين البلدين. ولا يقل هذا العمل المشترك أهمية عن سابقيه من الجهود المبذولة على كافة المستويات لدعم وتنشيط العلاقات المغربية الموريتانية.
وأستحضر هنا بالمناسبة، الدور الرائد للمركز الثقافي المغربي بنواكشوط، وانفتاحه على محيطه الثقافي والعلمي والفني، والذي يشهد أنشطة متنوعة مكثفة على مدار السنة تقدم لفائدة الموريتانيين من مختلف الأعمار نساء ورجالا، وتواصله مع النخبة المثقفة والفعاليات الفنية والإعلامية الموريتانية فضلا عن التعاون مع المؤسسات الثقافية الحيوية المساهمة في تنشيط الساحة الثقافية والعلمية والفنية بالعاصمة الموريتانية، وقد أصبح المركز الثقافي المغربي بشهادة رجالات الثقافة والفن والإعلام وكل المهتمين يمثل نموذجا شاهدا وقطبا ثقافيا بارزا في الساحة الثقافية بالعاصمة نواكشوط، ولا أدل على ذلك تمكنه من الحصول على عدة شهادات تقديرية وتكريم في عدة مناسبات ثقافية في مقدمتها شهادة تقديرية من طرف السيدة وزيرة الثقافة والشباب والرياضة. ويتعزز هذا العمل الثقافي بالمعلمة الحضارية المعمارية والدينية والروحية المغربية المتجسدة في مسجد الحسن الثاني، الذي تقام به يوميا الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، ويعرف إقبالا كبيرا من طرف المصلين لأداء الفرائض.
وقبل أن أنهي كلمتي، أود العودة للتأكيد على عامل حيوي وفعال يمثل رافعة قوية للعلاقات المغربية الموريتانية، يتمثل على الخصوص في الطابع المميز للعلاقات الشخصية التي تجمع بين جلالة الملك محمد السادس وأخيه فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وما يشدهما من أواصر التفاهم الودي والتقدير والاحترام المتبادلين، والرغبة الثابتة لديهما في بذل كل الجهود بهدف تعميق الروابط وتعزيز وتكثيف العلاقات بين البلدين وتنويع تعاونهما من أجل الرقي به إلى مستوى علاقات الأخوة التي تجمع بين شعبيهما الشقيقين.
في الختام أرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا من تأييده هاديا ومعينا.
عاشت المملكة المغربية عاشت الجمهورية الإسلامية الموريتانية
عاش التعاون المغربي الموريتاني.
والسلام عليكم ورحة الله تعالى وبركاته.