هل يكون الجيش العراقي هو المنقذ والحل؟
استوقفتني قبل ايّام صورة معبرة وزعها العراقيون على شبكات التواصل الاجتماعي فرحين لأحد قادة الجيش العراقي وهو برتبة فريق ركن ، يأخذ غفوة سريعة في مدرعته بعد معركة قاسية واستعدادا لمعركة اخرى من اجل تحرير الموصل الحبيبة من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. ولا يملك من ينظر الى الصورة المعبرة الا ان يقارنها مع صور البزات العسكرية بنفس الرتب والتي تركها أصحابها على الارض اثناء هروبهم من الموصل قبل ما يقارب ثلاثة سنوات امام عصابات داعش الإرهابية وتسليمهم مدينة الموصل الحبيبة دون اي قتال. وبالتاكيد فان ما افرح العراقيين ليس الصورة فقط وانما الأداء العالي والشجاع الذي تميز به قتال القوات العراقية في معركة تحرير الموصل. هذا القتال الذي يعيد الى الاذهان الدور الذي لعبه الجيش العراقي البطل في الذود عن حياض الوطن واراضيه. نعم هناك اخبار اخرى عن انتهاكات لحقوق الانسان وضحايا كبيرة من المدنيين وتصرفات غير مقبولة من بعض منتسبي هذا الجيش، كما ان خروقات اكبر واخطر تسجل بأسف واستنكار شديدين قامت بها مجاميع ومليشيات غير نظامية فرضت نفسها في ظل غياب جيش عراقي حقيقي. ولكن اغلب الناس في مناطق القتال أشادوا يتعامل الجيش معهم.
لم يكن القرار الذي اتخذه سيّء الصيت بول بريمر بحل القوات المسلحة العراقية، والذي ادعى هو بانه جاء بناءا على رغبة وإلحاح السياسيين الذين جاءوا مع الاحتلال، اعتباطيا او ارتجاليا، بل كان قرارا مدروسا ومخططا له مسبقا وضمن سلسلة من الإجراءات التي كان الغرض منها تمزيق العراق. ولهذا فان هذا القرار جاء ضمن سلسلة من القرارات التي وجد المحتلين الأميركان والبريطانيين انها ستكون كفيلة بتدمير وتمزيق العراق وإنهائه كدولة. ومن هذه القرارات تدمير القضاء بفصل ثلاثة آلاف قاضي و مدع عام وفصل نفس العدد من الأساتذة الجامعيين. ناهيك عن عمليات الاغتيال والاختطاف التي طالت هذه الشرائح . كل ذلك من اجل افراغ العراق من كل الكفاءات التي يعول عليها لإعادة بناءه. اليوم لم يبق للعراقيين أمل سوى بجيشهم. وهم محقون بذلك لعدة أسباب، أولها ان الجيوش، وخاصة في العالم الثالث، كانت دائما تمثل البودقة او الوعاء الذي تنصهر فيه كل الاختلافات العرقية والدينية والمذهبية والطبقية . فالكل يتربى على نظام وانضباط عسكري
واحد ، ناهيك عن شحنهم بحب الوطن والدفاع عنه، و اذا ما نجحت هذه المؤسسة في بناء نموذج عابر للطائفية والعرقية فإنها ستكون الاقدر على الرد على الحالة الطائفية والعرقية التي استشرت منذ عام ٢٠٠٣. اما السبب الثاني فان الجيش المدرب تدريبا جيدا يكون كفيلا بحماية تربة الوطن امام المليشيات المجرمة والمنفلتة داخلية كانت ام خارجية. وثالث هذه الاسباب هو ان الجيش العراقي هو القوة الوحيدة الباقية والقادرة على التأثير بل وحتى التغيير امام الكم الكبير من الوجوه الفاسدة والأحزاب الطائفية المهيمنة. ولهذا نجد اليوم ان القوات المسلحة العراقية، وبالأخص الجيش، تتعرض الى حملة تصل الى حد التامر عليه من الخارج والداخل. ولعل الأكثر دلالة على هذا التامر ما كتبته احدى الصحف الإسرائيلية والتي تقول فيه ان اداء الجيش العراقي الجديد في الموصل يجب ان يقلق اسرائيل لانه يمثل تنامي قوة جديدة قد تخل بالتوازن في المنطقة. طبعا هذا التخوف الاسرائيلي لابد ان ينبهنا الى ما قد يحصل اذا ما خرج الجيش العراقي منتصرا في معركة الموصل ومعارك تصفية بقايا داعش الارهابية في المناطق الاخرى. ولكي نكون اكثر صراحة فان التامر على الجيش العراقي الناشئ والذي بدا مرة اخرى بعد أربعة عشر عاما من حل تنظيماته الاساسية سيكون اكبر وأشرس . فدول إقليمية لا تريد ان ترى جيشا عراقيا قويا لان ذلك سيعني بداية لنهاية نفوذها في العراق. كما ان قوى سياسية عراقية حاكمة لاتريد ان ترى جيشا منظما و مقتدرا لان هذا سيعني بداية النهاية لدور المليشيات التي يعتمدون عليها لبسط نفوذهم واستمرار فسادهم ولتحدي السلطة المركزية وابقاء العراقيين تحت رحمتهم.
ان الوقت لايزال مبكرا للتفائل التام ولكن هناك ما يدعو الى التفائل. هناك من العراقيين والمراقبين من يعتقد ان جيشا وطنيا موحدا وممثلا للشعب العراقي ونقي من الفساد ومن الأفراد الذين حصلوا على رتب عالية دون اي استحقاق، هو الوحيد القادر على اعادة الأمور الى نصابها في العراق. وهم يستندون في رأيهم هذا على حقائق منها ان العملية السياسية الفاسدة في العراق قد تجذرت في العراق رغم فشلها وفسادها، وان الفاسدين اصبح لديهم من الأموال والمليشيات ما يمكنهم من الاستمرار ولا يوجد من يزيحهم الا قوة مسلحة وطنية. وان الانتخابات وما تسمى بالعملية الديمقراطية العرجاء سوف لن ينتج عنها سوى تدوير للنماذج الفاسدة والسيئة. كما ان الاعتماد على الوجوه السياسية الحالية لمحاربة الفساد والفاسدين غير ممكن لأنهم في غالبيتهم العظمى متورطين في هذا الفساد، وان الفساد لايمكن ان يحارب بصدق وبجدية الا من قوة من خارج هذه العملية السياسية. في المقابل هناك من يعتقد ان جيشا بني على أسس طائفية ومحاصصة لا يرتجى منه ان يقوم بمثل هذا الدور الوطني الكبير، ولكن على اصحاب هذا الرأي ان يتذكروا ان اغلب جيوش العالم الثالث بنيت على أساس الولاء للحاكم وللسلطة الحاكمة ولكن كان يظهر من داخل هذه الجيوش من يثور على السلطة والحاكم المتمادي في طغيانه وفساده.
ليس من الضروري بل وليس من المطلوب ان يكون تحرك الجيش على شكل انقلاب عسكري ولكن على من وضعوا حياتهم على راحة ايديهم ان لا يسكتوا على الفساد المستشري والفلتان الامني وتغول المليشيات على المواطنين والدولة. ان على قادة الجيش تقع مسؤوليات كبيرة أولها ان يحرصوا على بناء جيش مهني وطني عابر للانقسامات العرقية والطائفية، وثانيها ان يكونوا حريصين من الان فصاعدا على ان تكون زمام الأمور بيدهم كمراقبين على الحكومة والإدارة وان لا يتركوا هذا الامر للفاسدين نوابا كانوا ام وزراء او موظفين كبار. كما ان عليهم تقع مسؤولية تشذيب مؤسستهم من الفاسدين الذين تم فرضهم على المؤسسة العسكرية من قبل احزاب مشاركة في العملية السياسية لكي تعتاش من خلال الفساد على مخصصات الجيشالكبيرة، وثالثا ان يكون صوت المؤسسة عاليا ومسموعا في الحث على محاربة الفساد واستهتار المليشيات المنفلتة بارواح ومقدرات المواطنين. هذا الدور وحده هو الذي يمكن ان يحرك عملية إصلاح حقيقية في العراق، فهل سيملك بعض من قادة الجيش القدرة والعزم على فعل ذلك قبل ان تسبقهم عناصر الفساد ومن يدعمها في تهميشهم مرة اخرى؟
سعد ناجي جواد
كاتب عراقي
خميس, 01/06/2017 - 10:43