ضحوة يوم من عام لم أعد أذكره، كان المرحوم محمدن ولد النَّاه يحدثنا في مكتب الأستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف أيام كان الأخير أمينا عاما لوزارة العدل...
كان محمدن أمينا في مروياته، ضابطا في النقل، عليما بالوافر من أخبار السلف...
لما طُلبَ محمذن "امَّيَيْ" ولد محمد فال للقضاء، أمره والده المرابط بَبَّها بالمرور على المرابط امحمد ولد أحمد يوره ليدعو له، فلما جاءه ضرب في صدره وقال له: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" فتواردت فتوحات القضاء وفيرة على "امَّيَيْ"...
من تلك اللبان رضع محمدن القضاء صريحا، فما زاغت أحكامه وما طغت، وما حادت عن بيِّن الحق وقويم المحجة... تولى القضاء في نواحي من الوطن، وما خلّف فيها غير محمود الذكر، وحسن الثناء...
كان شماد "نور الدين" وارث أدب امحمد وبركته، وفي نجليه اتصل ذلك السند، وسرت فيهما أسرار تلك الوراثة، فكان محمدن - رحمه الله - على سنة للعارفين مسنة، كما كان عارفا بمكان "العارف"...
عاش ميمون الجَد، صالح الحال، موفور النعماء، محمود النعت... كان - رحمه الله - فقيها أديبا ظريفا رواية منصورا... تناجلته أعراقُ بيوتاتٍ عاقلية ديمانية، لا يرعوي المنتمي إليها عن النهل والعلل من المحامد، واستصحاب المثل الراقية والخصال التليدة....
لم يحل ثورُ أدب امحمد في سجْل محمدن، وإن يكن إنتاجه الشعري قليلا فإنه "نِعاجٌ"! كان أدبه مرصوص البناء، مفعم التعابير، صائب المقاصد، "مَبْرُومَ الكَرَّة"، "رَقِيقَ الحاشِيةِ"... من جميل قوله، وآخره طلعته التي يقول فيها:
أمْنَيْنْ الَّ تُـــــوگُفْ لَـــسْبَابْ --- ؤ يَظْهَرْ عَجْزْ الحادثْ مَسْكِينْ إجِي مُـــــولاَنَ فَــــاتُحْ بَــابْ --- امـــنْ ابْــوَابْ اللطْفْ الزَّيْنِينْ إجي مَتْيَسَـــرْ ذَاكْ الْـكَـــانْ --- مَتْعَسَّرْ مَـــــنْ شِي فَرْ اگْرَانْ اللِّي گَـــــاسِ يَرْجَعْ يَــلْيَــانْ --- وَ الِّ وَاعُــــرْ يَرْجَـعْ هَــــيِّـــينْ ؤُ يَـسْتَغْنَ لَفْقِيرْ، ؤُ يَـزْيَــــانْ --- الشَّيْنْ، ؤُ يَـــعْتـــَزْ المَسْكِيـــنْ ؤُ يَمْلاَحْ الْمَشْعُوبْ، ؤُيَــــمْتَانْ --- الضَّعِيفْ، ؤُ يَـفْرَحْ لَحْزِيـــــنْ
سقت ضريحه في "الميمون" غوادي الرحمات، وجعل الله مستقره فراديس الجنات....