كان المجتمع الموريتاني يعيش حياة البداوة ببساطة ويجعل من الدين الإسلامي وتعاليمه منهجا أخلاقيا عماده كتاب الله وسنة رسوله الكريم، وتربى على ذلك الأبناء والبنات، وعاش على ذلك أجيال من المجتمع، توقر الكبير وترحم الصغير، وتستحي نساءها من مخالطة الرجال غير أولى الرحم، ولا تدخل مجالس الرجال بحال من الأحوال وتتجنب الكلام بصوت عال بحضرة الكبير، وكان المجتمع يجل أهل العلم وأهل القرءان.
إلى غير ذلك من الأخلاق الحميدة ، وإلى جانب ذلك كانت توجد حياة مدنية لها قيمها الخاصة، تحترم كل من يقدم خدمة للوطن، وتحترم شخص الرئيس وتحترم السلطات، وتقدس العدالة والقانون ورموز الدولة.
حتى اصطدمت حياة الموريتانيين بحياة المدينة، حين هاجر الناس من حياة البداوة إلى المدينة، وتطلعوا عن طريق تلاقح الحضارات وتصارع الثقافات، عبر منصات الإعلام، حينها ولد مجتمع جديد، له قيم جديدة تصارع الماضي، وتثور على الموروث التليد، وأنتجت أجيالا تعيش شبه قطيعة مع الماضي، وحيث تشاهد خلالها، جملة من الظواهر كانت منبوذة وساقطة بالأمس.
لقد كانت المرأة معيار قيمة المجتمع عند الشناقطة، وكانت محجوبة عن غير المحرم، وأصبحت المرأة اليوم بعد أن كانت ربة بيت وأما ومربية أجيال تجلس بجانب الرجل جنبا إلى جنب وتتحدث دون حشمة وبصوت عال، دون مراعاة لجماعتها.
وأصبح كل من يعيب الناس ويجرح مشاعرهم ويمس من أعراضهم بملامس خشنة، ويسب القامات العظيمة والأسماء الاعتبارية، هو المدون المبرز الكاتب المرموق، وأرخى ذو النقائص لأقلامهم وألسنهم العنان حتى بلغوا مبلغا بعيدا، ونسوا وتناسوا ماض مازالت حقيقته قيد المطلب.
وآلت بنا الأحوال آخر شيء إلى أن صار الرذيل النمام والمنافق، شخصا محترما باعتبار مكانته الاجتماعية ولحظوته عند النظام والإدارة، هو مقرب من النظام ويحميه ذلك من سلطة المجتمع ومن أن تصله أيد المنتصرين للقيم وللأخلاق، تطوقه قلادة من صناعة كبار الرجال الأقوياء ذوو المناصب العليا بالسلطة والاعتبار، حتى لا يصله شر من أي مكان.
ضاع المجتمع الموريتاني عشية أختلط حابل المدينة بنابل البداوة، وأصبح هناك ما يشبه انقلابا أخلاقيا وخيم العاقبة، لا هيبة للكبار، ولا حشمة للمرأة، ولا توقير للصغير، واختلط الخبيث بالطيب، وأصبح كل من هب ودب يجعل من الحرية درعا ليوجه نذالته وسقوطه إلى من شاء ويسب العلماء والشيوخ الصالحين، ويعلو المنابر قزم غر لا علم ولا فهم.
وبدأت هيبة الدولة تذبل أمام العيون، وتغيب القيم وينظرها الجميع بعين الاحتقار والتجاوز، وذهب المحللون كل مذهب خلال دراساتهم للمجتمع الجديد، وكانت كل النتائج تقول إننا على موعد مع انقلاب اخلاقي يغير القيم ويقلب كل الموازين، متى يدرك هذه الحقيقة من له ذرة صدق وإخلاص مع المجتمع الموريتاني ويتدارك الأمر .
اتلانتيك ميديا