الكهرباء...حقيقة أم أوهام؟!

يعتبر الكهرباء وسيلة أساسية للحياة، نظرا لما يترتب عليه من نشاط وعمل أساسيان لتطوير الحياة البشرية، حيث يدخل في كل مناحي الحياة، المنزلية والصناعية والخدمية، ومنذ فترة أصبح جزءا من الحياة لا يمكن الاستغناء عنه، بل قد يكون في أهميته سابق على بعض الأساسيات التي كان لا يمكن الاستغناء عنها. وهو من ضمن عناصر تحدد عوامل استجلاب الاستثمارات الخارجية، سواء في كميته المتوفرة وقدرته على الدوام والاستمرارية و سلامة الشبكة إلى أخره.

وعرفت بلادنا منذ الاستقلال إلى اليوم نقصا كبيرا في كمية الكهرباء المتوفرة و عدم انتظام شبه دائم في أستمراريته ، مما جعل البعض يرجع تأخر انتشار المصانع و الورشات في العاصمة إلى قناعة الكثير ين بأن بناءها مجازفة بالآلة و المعدات نظرا لعدم انتظام الكهرباء و ضعف بنيته التحتية .و شهدت الفترة الأخيرة تشييد العديد من المحطات الكهربائية في مختلف نواحي البلاد ، وخاصة منطقة أنوا كشوط حيث تم توسيع الشبكة إلى الأحياء الجديدة في ضواحي العاصمة ، إلا أن الملاحظ أن وضع الكهرباء لم يتغير فالانقطاع مستمر بل قد تطول فترته .و ما لا يستساغ هو بناء السلطات لعدة محطات دون مراعاة الجانب الاساسى و هو البنية التحتية ، حيث أن كل الإصلاحات التي أجريت على الشبكة القديمة كانت عبارة عن هدر للجهد يؤدي إلي تأجيل الأعطاب وليس أستأصالها الذي يتطلب بناء شبكة جديدة بالمعايير المطلوبة بالتزامن مع تنفيذ خطة توفير الكهرباء بشكل شامل ، لأن المبالغ التي يتطلبها بناء شبكة قوية قادرة علي مقاومة الظروف فترة زمنية طويلة ، أقل بكثير مما يتطلبه الترميم المستمر لشبكة متهالكة ، أسلاكها متناثرة في الشوارع ، بل تشكل أكبر المخاطر على المواطن و المواشي في بعض أحياء أنواكشوط ، هذا بالإضافة إلى ما يكلف الانقطاع الكهربائي المواطن من خسائر ناتجة عن إتلاف بضاعة أو مواد تموينية و حتى تعطيل العمل في بعض أجنحة المستشفيات التي لا تتوفر علي مولدات جيدة إلى غير ذلك من الخسائر التي لا يمكن حصرها ..و إذا كانت السلطات دأبت على الترويج لإستراتيجية تصدير الكهرباء إلى البلدان المجاورة ، باعتبارها خطة تعبر عن مدى قدرتها على خلق مصادر جديدة للدخل ، و تحصيل العملة الصعبة ، فان أمام ذلك المشروع جملة من العقبات إذا لم يتم التغلب عليها فإنها ستظل عائقا أمامه ؛منها القدرة على توفير الكمية المطلوبة من الكهرباء بالشروط المطلوبة في دفتر الالتزامات إلى غير ذلك من الشروط التي الإخلال بها يستلزم عقوبات و التعويض عن الخسائر .

 

و إذا كانت الحالة هذه فكيف لا تؤمن السلطات متطلبات المواطن الموريتاني من الكهرباء أولا ، و بدلا من مد دول أجنبية بالكهرباء ؛ تعمل على استخدام الفائض منه لتزويد المناطق الداخلية بما فيها الأرياف ، وحقيقة فيها مناطق لم ترى النور منذ فجر الاستقلال إلى اليوم ، كما توجد عواصم ولايات الإنارة فيها ضعيفة جدا مما يتطلب زيادة قوة المولدات ، أما موريتانيا الأعماق و التي تتميز بمناخها شديد الحرارة من جنوب شرق البلاد إلى شمالها فهي في أمس الحاجة إلى التغطية الشاملة بالكهرباء ؛ ومما لاشك فيه أن ذلك سيسهم في خلق جو ملائم لاستقرار سكانها الذين ينزحون إلى منطقة أنوا كشوط هربا من لهيب حر الصيف ، كما سيخلق مناخا اقتصاديا يساهم بشكل فعال في النهوض بالتنمية في تلك المناطق المنسية و تطوير مستوى المعيشة فيها و بالتالي تكون الدولة نجحت فيما فشل فيه الآخرون ، وهو التمكن من خلق مناخ للهجرة المعاكسة من منطقة أنوا كشوط إلى الداخل . كما أن العوائد المالية في هذه الحالة ستكون مضمونة و قيمتها كبيرة لأن فاتورة الكهرباء لا تقبل فيها الاستدانة .إن السلطات عليها أن تنحاز للمواطن في تأمين متطلباته و حاجياته وذلك لن يتأتى بالمواعيد ، في الوقت الذي يري مختلف المسؤولين منهمكين في الترويج لعروض الكهرباء للخارج ؛ و كأن حظه منها الانقطاع أو الحرمان .*

 

عدد 39 من جريدة الدرب العربي الصادرة بتاريخ 2017/09/01 عن حزب البعث العربي الاشتراكي - قطر موريتانيا

اثنين, 04/09/2017 - 08:20

          ​