الادمان الافتراضي

الادمان هو أن تقيم على فعل شيئ لا تحتاج إليه، أو لايلبي لك غاية نفعية، فحين تحتاج لشيئ فإن نفسك ستهرب منه وستملّه، وتنظر إليه وكأنه عبئ عظيم.أما الافتراض فهو وجود مقيد لا يتجسد في غير الذهن، ونعني به هنا هذه الصفحة التي نطل من خلالها على العالم، لنلقي إليه بكل ما نريد مما نحمل في طيات أنفسنا.ونؤدي ذلك عن طريق اللغة الطبيعية واللغة السيميائية، وكثيرا ما ننجح في بلوغ أهدافنا في ذلك، ونحن إذ نكرر هذه العملية بقصد أو غير قصد فإننا نسقط في شرك نفسية وضعت من قبل صانعو هذه الصفحات، فهم يلقون بنا في هاوية التعلق والادمان، ونحن نستجيب بوعي تام وبعقل ثاقب لذلك الصيد الذي يستهدفنا بهدوء، نشارك الآخر عبثه وجده في ذلك، كما يفعل.إن السقوط في شراك الآخر، حين نصبح مدمنين لا يعني أننا نعاني، ولا ينافي العقل ولا يعني أننا مغفلون، بل يمكن أن يوحي بمستوى عقلي رفيع، حيث نستطيع مفاجأة هؤلاء بغبائنا حتى نكسب معرفة أكثر عن كل ما يحيكون ضدنا لنصل قاع الهاوية التي يلقون بنا إليها.

ولا أظنني آخر من يشعر تعلقه بهذه العالم الصامت الذي نبحر فيه ولكل وجهة هو موليها، متأبطا حروفه وتفاعله، ونصطدم فيه بذواتنا أكثر مما نصطدم بالآخر الذي يفتح عينيه كل صباح على كل ما يصدر منا هنا ويظل يحلل ويناقش ويصنفنا وينتقدنا وفق هواه وما يعرف عنا في سبيل الجادة، حين يتأوه كأي صغير فاق من نومه قبل طلوع الفجر وأبواه نائمين، يريد غذاءا يشفي به لدغات السغب والنوم.إنما يشدنا لها هنا ليس غاية تدرك بالرغبة والانتظار، ولا وحشة تزال بالولوج، إنه دافع قوي يشتد مع تتالي الأيام ويصلب عوده كلما طال مكوثنا هنا.أتذكر نفسي ليال مضين وأنا أهب من سنتي في غسق الليل وفي سحره لأنظر وأدلي بأثر سيؤلمني بعد حين، وأقضي زمنا في محوه من نفسي وهو لصيق.هذا ورغم أنه يمكن تصنيف المستوى الوجودي الذي يحصل من لقائنا في الافتراض أنه يجلب جانبا كبيرا من وجودنا الداخلي، حيث أن اقحام الانسان في العالم من خلال لغته وتجسيد لبعض مشاعره، هو عملية لاستخراج العالم الخفي من الذات، إلا أنه يبقى الانسان على وعي تام بقيمة ما يفعل وما يفعل به، فهو يصارع عقله ومجتمعه وحتى طبيعته الوجودية ما يجعله يحرج عن مألوفه الاجتماعي والخلقي، وهو في ذلك الحين يلبي أطضرارات ذاتية ونفسية عميقة، ويكون الأمر أقوى على الذين يملكون في نفوسهم جموحا ثقافيا أو علميا أو قدرات فنية مثل (الفقهاء ـ الكتاب ـ المفكرين ـ الفنانين ـ الاعلاميين ـ المفتنين بالشهرة إلخ....).

 

ديدي نجيب

خميس, 07/09/2017 - 09:18

          ​