كثيرا ما يتحدث الإعلام اليوم والناس في بيوتهم عن أزمة في الماء أو أزمة في الغاز أوغلاء الأسعار، لكننا اليوم نشهد أزمة خانقة أشد من جميع تلك الأزمات، ولا أحد يلقي عليها لفتة، إنها باختصار أزمة الأخلاق، فلم يبق في مجتمعنا الموريتاني اليوم إلا النزر القليل من القيم والأخلاق الحميدة التي ترك لنا الإسلام وتربى عليها الأجيال وعاش عليها الصغير وشب عليها الكبير، لقد كان المجتمع الموريتاني ممتثلا للسنة وكانت المرأة محتشمة، والرجل تسوقه المروؤة وتسوسه الحكمة على أثر السلف الصالح، قبل أن يدخل الناس يحاة المدينة، فيختلط الحابل بالنابل، ويجد المجتمع نفسه أمام مواجهة عنيفة مع الغرب،
لقد كان المجتمع يسير وفق قوله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا"، وإنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق"، ما يوحي أن أهل الجاهلية على جاهليتهم كانت لديهم أخلاق ومثل ومبادئ، ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وفي العصر الحديث يلخص لنا الشاعر المصري أحمد شوقي قيمة الاخلاق في أنها هي بمثابة وجود الأمم، فإن ذهبت أخلاقهم فوجودهم كالعدم:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه … فقوّم النفس بالأخلاق تستقم.
فكيف بلغ بنا الحال أن يفضلنا المجتمع الجاهلي الذي ليس على شيء ونحن مسلمون ولدينا القرءان والسنة النبوية؟
يرجع معظم المفكرين ما تعيشه الأمة الاسلامية من سبات أخلاق وطيش فكري إلى افتتانها بالغرب وانسلاخها من الماضي التليد الذي وضع الاسلام أسسه وحض عليه القرءان الكريم والسنة النبوية، وامتثله السلف الصالح، وتركوه كمعيار لتمايز الناس، ووضعهم في المكان الصحيح.
هذا وليست العاصمة نواكشوط بدعا على ذلك بل هي بيت القصيد في فساد الأخلاق وانقلاب الموازين، إننا اليوم في موريتانيا نعيش فوضى عارمة ونسيرة في متاهة اجتماعية معقدة أساسها الافتتان بالمادة والحديث عنها والجري خلف جمعها بأي وسيلة، فلم يعد هناك كبير ولا صغير ولا ذو قيمة ولا حسب إلا بامتلاك ناصية الأوقية، فضاع الصغار وتركوا مآثر الاجداد وساروا مع الركب، ثم جاء الغرب بوسائله القوية المثيرة، وجاءت ثورة التكنلوجيا العصرية، فمنحت الحرية للجميع وغدا الجميع يملك هاتفا ذكيا يشحنه من الكهرباء والرصيد في الصباح ويظل يضحك ويغني ويتسلى كصبي لا له ولا عليه، ولا ناه ولا حد له، ولا كبير مطاع ولا سلطة رادعة في البيت، فالأب ذهب لجمع قوت عياله والأم تلهو في تجارتها، أو مع جارتها، والقي الحبل على الغارب للصغار فتلقفوا ثقافة الغرب وساروا على سيرتهم، فولد مجتمع يتخبط في ظلام الجهل متغنيا بالحرية والديمقراطية، ولا يزن وزنا للعلم ولا للعلماء، وحين تلاحظ على أحدهم قوله في أحد العلماء، يقول لك دع لي حريتي أو هذا أمري خاصتي، وفات هؤلاء أن الحدود التي وضع الاسلام هي منتهى الحرية حين نفهما فهما وسطا غير مبالغ، وغير مفرط.
إننا اليوم نعيش عصرا تمكنت فيه المادية فيه من قلوب الناس وقلبت الموازن فصار أهل المادة قدوة يوجهون الناس يمنة ويسرة، فأخذت الناس عنهم أخلاقهم المبتذلة والراكدة، وضاع الذوق واستحل الحرام، وصار الرجال يتحدثون أحاديث النساء وجلست المرأة بين الرجال وصارت تصيح على وزجها وتحقره أمام أبنائه، وصار الرجل يقتل زوجته بالتهمة إلى غير ذلك من الاسفال الذي جعل المجتمع ينحط ويهوي ويهوي معه مستقبل أجيال لا ذنب لها.
لقد تساوى المدون والصحفي في انتهاك حرمات المجتمع وهتك أعراض الناس، حتى أصبح من يريد أن يملك سلطة للدفاع عن نفسه أو يذم بها من شاء فما عليه سوى أن يفتح موقعا أو يملك حسابا على لافيسبوك، ويرخ العنان لقلمه.
إنه على الدولة الموريتانية أن تضع حدا لهذه الفوضى الأخلاقية المنتشرة في مجتمعنا، وأن تبدأ بالتعليم، فهو أساس الاصلاح، وهذا الحرية التي ستفسد كل شيء وتبرر كل فعل شنيع ومدان، وعلى الدولة الموريتانية، أن تضع سياجا أخلاقيا منيعا على رموز البلد وعلى أئمة المساجد والعلماء، فلا تتركهم لمن هب ودب يسلط عليهم لسانه أو قلمه ثم يجلس ويقول عاليا: هذه حريتي، وهذا عصر الديمقراطية، لقد فات هذا إن الحرية تنتهي عندما تبلغ الآخر
اتلانتيك ميديا.