الإعلام في موريتانيا.. عود إلى بدء

مع بداية المأمورية الأولى لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز اختار حرية التعبير شعارا له، وقام بتحرير الإعلام السمعي البصري، فانطلقت مؤسسات إعلامية سمعية وبصرية، استغل القائمون عليها بصيص أمل الحرية الذي بشر به النظام الجديد، معتقدين أن حرية الإعلام التي ناضلوا من أجلها طويلا باتت اليوم واقعا معاشا وأصبحت خيارا لا رجعة عنه لدى النظام، حتى ولو كلفه ذلك التضحية بمبالغ كبيرة من أجل المحافظة على هذا المكسب، لكن ما لم يأخذوه في الحسبان هو أن إعلاما حرا وجادا يحتاج إلى نظام يؤمن بالحريات إيمانا مبدئيا وليس إيمانا تفرضه المصلحة السياسية .. 

وما إن انطلقت هذه المؤسسات حتى بدأت العراقيل توضع أمامها، ليتوقف بعضها عن البث في بداية المشوار، ويعلن البعض الآخر عن نيته اتخاذ نفس القرار، وذلك بسبب المشاكل الجمة التي بدت تعترضهم في مستهل الطريق الصعب والمليء بالمطبات. 

واهم من يعتقد أن مؤسسات إعلامية توشك على الإفلاس من ثقل الضرائب التي تفرض عليها، والمصروفات اليومية الكبيرة التي يقتضيها عملها المكلف، والرواتب التي تدفعها لعمالها، مع محدودية الدخل، بإمكانها أن تدفع مئات الملايين لشركة البث العمومية . 

لقد أثبتت تصرفات النظام مع هذه المؤسسات الإعلامية أن ترخيصه لها في فترة زمنية لها خصوصيتها ليست سوى مناورة سياسية، وأن منطلقها ليس الإيمان بضرورة حرية الإعلام والسماح بتعدد الٱراء واختلاف المنابر، بل إن منطلقها الكيدية السياسية البحتة. 

لقد أثبتت الوقائع أن حرية الإعلام بالنسبة للنظام كانت سلما لتجاوز فترة معينة عاش فيها أحلك أيامه، فلجأ إلى تحرير الإعلام عله يحسن من صورته الملطخة بانتهاكات حقوق الإنسان، واليوم وبعد أن ظن أنه تجاوز تلك المرحلة بدأ يعود من جديد لطبعه المألوف ليسقط آخر أقنعته . 

لم يترك النظام المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية تمارس عملها بشكل طبيعي طيلة الفترة الماضية بل ظل دائما مسلطا عليها سيوفه الضاربة، تارة يلجمها بالهابا التي أوقفت أكثر من برنامج في هذه المؤسسات بداية ببرنامج "صحراء توك" وليس انتهاءا ببرنامج "في الصميم" ولأسباب واهية، وتارة يبتزها بالضرائب، وأخرى بالقضاء، واليوم بمستحقات لشركة البث يعرف هو أكثر من غيره أن هذه المؤسسات لا تستطيع دفعها، وبالتالي فإن حرية الإعلام ليست سوى أكذوبة استساغها البعض لبساطة فكره، فلو كان النظام حقا لديه توجه لتحرير الإعلام لوفر له بيئة تكفل له الاستمرارية، ولأنشأ ترسانة قانونية تنظم العمل فيه، وتكفل لمؤسساته الحفاظ على مصدر دخل تعوض به بعض ما تصرفه من أموال، وخلق سوقا منظما للإعلانات، فحرية الإعلام ليست شعارا يرفع أو ترخيصا يمنح . 

كان يفترض أن يكون حرص النظام على مواصلة بث هذه المؤسسات الإعلامية أكبر من حرص أصحابها على ذلك، لأن النظام استفاد منها أكثر مما استفاد غيره، فقد بات الترخيص لها شماعة يرفعها في وجه كل منتقديه، وإحدى الإنجازات المهمة التي يفخر بها ويعتبر أن سابقيه عجزوا عنها، ونال جوائز عدة بسبب إطلاقها، وحافظ بذريعتها على صدارة ترتيب الدول العربية الأكثر حرية للتعبير لسنوات، مما ساهم في خلق صورة بأن موريتانيا في ظله باتت بلد الحريات، وهي صورة كان في أمس الحاجة إليها في ظل ما يلاحقه من اتهامات بفساد للإدارة وانتهاك لحقوق الإنسان ومضايقة للمعارضين، وملاحقة للحقوقيين.. 

وبعد حلم الحرية الخاطف ها هو إعلامنا الوطني يعود أدراجه القهقرى إلى حيث كانت البداية.. إلى إعلام الصوت الواحد من جديد..! لكن الواقع العالمي اليوم تغير كثيرا وبات الإعلام الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي أكثر تأثيرا وأوسع انتشارا من الإعلام التقليدي.. ولم يعد بالإمكان حجب المعلومة أو مغالطة الرأي العام.

سبت, 21/10/2017 - 14:06

          ​