تعيش دولة الجزائر تحت ضغط الإفلاس الوشيك ، و مع حالة الوهن الرئاسي داخل قصر مرداية و التي تنخر أسس الدولة و مقومات بقائها ،نجد أن تدبير مرحلة " ما بعد الرئيس بوتفليقة " يشكل العقدة الأساس لأقطاب النظام الشمولي المتحكم في أمور الدولة الجزائرية.فالثقة المفقودة بين قادة الأقطابالمَصَالِحِيَّة تُنذر بِقرب إنتهاء مرحلة الوئام المدني و المصالحة الوطنيةالتي تلت عشرية التسعينات السوداء.
إن وهن القاعد على كرسي الرئاسة الجزائريةيوحي بالسيناريو المخيف و تفكك ركائز مشروع الوئام الوطني ، و عودة الحرب الدموية بين جنرلات الجيش و المجموعات الإرهابية المسلحة التي تغاضت عن نشاطاتها المخابرات العسكرية الجزائرية.
مِثْلَمَا أن واقعة الصناديق السياديةالمُفْرَغَة من عائدات النفط و الغاز نتيجة عقود من النهب و الاختلاسات و تحويل أموال البترول و الغاز إلى جيوب شرذمة قليلة من المركبات المصالحية تخاف ، اليوم ، من إصطدام مباشر مع تحرك شبابي منتفض من أجل تحرير الثروة الوطنية من الإحتكار الفئوي.
و هذا ما يفسر حالة الإرتباك داخل بنية النظام الجزائري فأموال البترول غادرت مُهَرَّبَةًمن الحدود الشمالية للتراب الجزائري ،حيث نُفِّذَت جريمة تهريبها طيلة سنوات من الفساد المالي و السياسي و الأسماء معلومة البنوك .و لأن سؤال الثروة يشكل المدخل الأساس لتفكيك شفرات ممارسة السلطة بدولة الجزائر فإن أقطاب النظام الفاقدة للشرعية و المشروعية إرتأت إبقاء الرئيس بوتفليقة فيوضع الكرسي المتحرك لأنه آخرأوراق خريف الوئام الوطني، وإسقاطُه منأعلى كرسي الرئاسة هو بمثابة سقوط حر للنظام برمته .
لذلك عَمِلَت الأقطاب المتصارعة على تمثيلأبشع عملية " تصنيم غير إنساني " حيث يعيش الشعب الجزائري المغلوب على أمره أمام مشهد سوريالي يقف فيه بعيون جاحظة أمامحقيقة سقوط أهلية رئيس الدولةلمزاولة إختصاصاته الدستورية ،و تمكن مظاهر العجز و الخرف كنوع من أمراض الشيخوخة التي أصابت جسد الرئيس بوتفليقة .غير أنَّ هذا الشعب الجزائري يعيش واقعه اليومي المُرُّعلى نغماتلحن إعلامي كلماته " قال السيد الرئيس أو قرر و استقبل الرئيس.." ، و بين ثنايا هذا التناقض البشع يستمر العبث و الغبن في نسف مؤسسات الدولة الجزائرية.و ليس فقطكرسي الرئاسة الذي نراه في نشرة الأخبار الرسمية متحركا مع وقف التنفيذ، بل كذلك هي عجلات الدولة جميعنا نراها " متحركة " غير أن احتكاكها جد شديد مع إسفلت الإنهيار الشامل.
فمن تفكك البنيات الإجتماعية و مأساة الفراغ الروحي و ضياع الثروة الوطنية و موت الأمل عند الشباب تتكاثر مؤشرات هذا الإنهيار الوشيك بشكل جعل أَسهم بيزنس تهريب الأموال ترتفع أرقامها، و تتعدد مناوراتها لتهريب ما تبقى من الثروة قبل إعلان وفاة الرئيس بوتفليقة و نشوب حرب الأقطاب المَصَالِحِيَّة. فإحساس الخوف من ضياع الثروة هو الذي يقود سراق المال العام إلى إختيار تهريب الأموال خارج الوطن الجزائري ، و بالتالي حرمان الشعب الجزائري من فرصة الإستفادة من عائدات البترول. فالأمرلا يتعلق بسوء توزيع عائدات إنتاج إقتصادي على المواطنات و المواطنين ، بل الأمر أدهى و أخطر لأننا بصدد الحديث عن إفلاس الصناديق السيادية لدولة الجزائر التي نخرها " إقتصاد الريع " و تهريب أموال الثروة الوطنية عبر الحدود الشمالية.
إن التناقض القائم بين أقطاب النظام هو إختلاف في الرؤى بين عقيدة أغلبية جنرلات العسكر و بين عقيدة الجناح " الذو مالي "، في حين تتيه القيادات السياسية والفكرية و الثقافيةفي بحر فقدان البوصلة الإستراتيجية و المصداقية الشعبية ، و عدم قدرة العمود الفقري للمنظومة الحزبية عن إحقاقسبل جديدة تضمن الأمل في تأسيس حقبة الإنتقال الديمقراطي معتقديم البديل السياسي القادر على استعادة ثقة الشباب و العمل برؤية إصلاحية جماعيةتنقذ دولة الجزائرمن السقوط في حمام دم جديد حفظها الله من شر وقوعه.
عبد المجيد مومر الزيراوي
شاعر مغربي
رئيس جمعية الاختيار الحداثي الشعبي