الكاتب المحرر هو إنسان يموت أكثر من مرة في اليوم ..ثم يعود ليروي لنا قصته بعد حين..من الغياب.
إن تجربة الموت تلك ليست يسيرة وليست متاحة للجميع..إنه شعور نادر لا يستساغ رسمه..لا تقبله اللغة الطبيعية، ولايستوعبه الفهم السليم..
هو من يبعث سحرا على أنغام من ذاته تناجي صدمة الفناء التي يعيشها بين حقول الكلمات في صمته .إنه يجهز على نفسه خلال ساعات النهار الأولى حين يغمض حسه ويأد صوت روحه في أعماق واجبات العمل...فيعق ذوقه فتبكي حروفه فتندم كلماته المثقلة بالجراح، حين يحاول نسج رداء من التملق قبل حلول الشتاء إرضاء لكبيره، أو صنع خبز من فتات الكذب المنشود لإطعام صغيره، وبين إرضاء كبير وإطعام صغير يظل ينتقي العبث والترف وبقايا طعام لا تشتهيه عين ناظر ولا ترتاح له أذن سامع..وتأنفه النفوس كرائحة جيفة حمار في بيت مغلق.
وفي المساء يعود ذلك الغائب الذي كان في سباته ليلبس أحد أثوابه النقية المخفية في صميم لغته الخضراء..ثم يغتسل ويتوب كثيرا في صلاة القائلة ..ويندم كثيرا وينوي ألا يعود لذلك الموت المخيف عندما يبدأ صباحه، لكنه يخطئ الطريق ويعود غدا صباحا. ..لذات المتاهة.
ومع كل صباح جديد تولد حياة وموت جديدان يطبعان الجديدان، ونأتي نحن لنجرب خلال ذلك كل ألوان الوجود.فنبلغ طرفيه في غمضة عين....ونحن على يقين بأن المساء آت وأن السحر آت وهو وحده لحظة الفراق التي تحتضن اللقاء.
وبالموازاة مع صناعة النصوص المؤلمة تولد نصوص أخرى متمردة وصاخبة بين أحضان الصمت، ولا يرى النور منها إلا القليل الذي يعبر نفق الوأد، قبل أن تبزغ شمس الظهيرة على مقابر الخالدين.
ديدي نجيب