أثر تخلّف إعلام الأمّة عن ثقافتها/ عبدالله بن محمد الشبانات

من المعلوم أنّ لكل أُمّة من الأُمم وبالتالي أيّ دولة تنتمي لهذه الأُمة أو تلك مادة ثقافية قامت ونشأة عليها هذه الأمة أو تلك،و هذه المادة الثقافية سارية في جو الأمة  المجتمعي بسبب كونها رسالة بادئ ذي بدء وتم إبلاغها وإعلامها للناس و الدعوة إليها أوّل أمرها والإستمرار على ذلك فترة طويلة من الزمن على مدى عدة أجيال فتشكل ما يسمى بالإقتناع الجمعي بهذه الثقافه أو الرسالة أو تشكّل ما يسمّى بالرسوخ الثقافي العلمي، و ما كان هذا ليحدث بعد مشيئة الله  إلّا عن طريق إبلاغها و إعلامها للناس أي الدعوة إليها فالإعلام والبلاغ سَمِّهِ ما شئت جزء لا يتجزأ من مُكوّن الرسالة،
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) فهنا نجد إرتباط يصل إلى حد الإندماج و الجزئية الأصيلة بين الرسالة والإعلام أي أنّ الإعلام جزء أصيل من أيّ رسالة إلآهية كانت أو غير إلآهية، بل كون إسمها رسالة يتحتم عقلا وجود إعلام يحملها و يوصلها لصاحب الشأن إذا لا بد أن يكون الإعلام مرآة للمادة الثقافية للأمة و مترجم لها.
وبما أنّه كان للإعلام أو الإبلاغ دور  أساسي في نشأة الأمّة، فلا شك أنه سيكون له دور كبير في إستمرارية هذا الأمر ،لأنّ الإعلام ليس حالة علاجية مؤقتة، بل نشاط أصيل في تحفيز التنمية عن طريق تفعيل العقل أو الوعي الجمعي بناء على ثقافته الأصليّة و الحاضرة في هذا الوعي الجمعي. و كأيّ أداة إجتماعية يكون لها دور عكسي في حال إهمالها أو جعلها في غير سياقها الأصيل فإهمال الاعلام أو كونه يدعو لثقافة أُخرى تصادم و تخالف ما تشكّل من قناعة جمعية  يُحدث ما يسمى بالصراع الثقافي وهو أكبر عامل في تأخّر التنمية وتعطّلها بل إنتكاسها.
فالإعلام يكون له دور قويّ في تعطيل التنمية عن طريق مصادمة الوعي الجمعي في مادته الثقافية، لأنّ الإعلام أتى هنا مُبلّغا لثقافة دخيلة فأتى في غير سياقه الطبيعي.
ولقد أكّد الإسلام على أن الإعلام هو أحد أهمّ المترجمين لثقافة المجتمع والدوله، و جعله وسيلة أساسية في تجذيرها و تجذير أهمّ عنصر في الثقافة ألا وهو الدين وهو هنا الإسلام بصفائه وقوته. ولكن الواقع والكيانات الموازية التي دخلت إلى حد مزعج في نسيجنا الإجتماعي تريد حرف الإعلام عن مهمته الرئيسةالطبيعية و إخراجه من سياقه التنموي إلى سياق الصراعات الإثنية وذلك عن طريق طرد الثقافة الأصيلة ألا وهي الدعوة السلفية في مجتعنا و إحلال ثقافة أُخرى إما منحرفة عن ديننا أو خارجة عنه بطريق مباشر أو غير مباشر كما هو الطرح الليبرالي أو الطرح الإخواني العلماني في صورته الأردوغانية أو المُرسيّة المصريه أو أي طرح لأيّ ثقافة مُهَمِّشَةٍ لثقافتنا.
**إنّك تجد أخي القارئ الكريم إعلامنا يعلن في خطوطه العريضة جداً أنّه إعلام سلفي أي على الكتاب والسنة و أنّه يترجم الثقافة الأصيلة ويدعمها كما هو توجه و توجيه ولاة أمرنا، ولكننا نعاني من فصام إعلاميّ بغيض في حال الترجمة التفصيلية لهذه الخطوط العريضة من إعلامنا على مستوى القائمين التنفيذيين على الإعلام الرسمي و على المستوى الإعلامي الربحي  و وسائل التواصل الاجتماعي، أي أننا نعاني من ترجمة لا تعكس بوضوح ثقافتنا السلفية و إنعكاساتها بل إنّ ما يحدث في الإعلام هو ترجمة تضاد ثقافتنا السلفية وتزهد فيها و تصفها بأوصاف لا تنمّ عن إنتماء لثقافة أصيلة أو وطن يُحَبُ و يُخَافُ على مكوناته من المسخ و الأدلجة، وهذه هي بالتحديد منطقة الفصام الواضحة و المصاب بها عموم إعلامنا الذي نعاني من حالة فصامه نحن السلفييون وبالتالي الوطنييون،
فتجد صاحب التوجه اللّيبرالي يعمل جاهدا في الجزء الذي تمكن فيه من إعلامنا سواء الإعلام الرسمي أو الربحي أو الشخصي إلى توطين و تجذير ثقافته التي تؤدي إلى إلغاء أو تهميش الثقافة السلفية الأصيلة فيحاول تجذير الثقافة الغربية المتهالكه و التي توقفت منذ أكثر من مائة سنه عن النمو وإعطاء تفسيرات حقيقية بنّائةٍ للحياة، والدليل على ذلك سَعْيُ هذا المؤدلج لإثبات وجوده عن طريق إفتعال الصراعات الثقافية، من خلال عدة أمور عن طريق الإعلام منها إستضافة المفكرين والمثقفين الذين يحملون ثقافة مضادة تدعو إلى الحرية والإنسلاخ والدعوة إلى توطين الكذبة الحديثة القديمة وهي الديمقراطية، بل إنّ هؤلاء المنسلخين يحملون خرافات صوفية صريحة ويبثونها، كما حدث من استضافة المسمى عدنان في شهر رمضان في أحدى القنوات الربحية، مما يدل على إفلاس أصحاب هذا الإتجاه و تضايقهم من ثوابت الدين.
و كذلك من وسائل أصحاب هذا التوجه الليبرالي لإفتعال الصراعات الثقافية التركيز على الوقائع الفرديه الشاذة التي تحدث في المجتمع و التي تعكس شذوذ ثقافة صاحب هذا التوجه كأن تقوم إمرأة بتصرف غريب فيه جرآءة وقفز على ثقافة مجتمعها فيحاول إشهار هذا الموقف إعلاميا و إذاعته عبر القنوات الإعلامية و تهييج الوطنيين الذين يتمسكون بثقافتهم ليظهرهم بمظهر المنفعل الأهوج الرافض للتغيير، بل يحاول إظهارهم بمظهر الإرهابي،
و إظهار هذا النمط من السلوك الشاذ بأنه هو المعتاد و أنّ تَقَبُّلَ هذا الشذوذ هو سبيل التنمية الحقيقي و التغيير !!؟؟
و للأسف أنّ هذا التصرف أفراده كثيرة في إعلامنا  و يدل على إفلاس متبنّوه ثقافيا و أخلاقيا
لأنّه يريدون إخراج المجتمع السلفي من سلفيته وثابتيته ثم لا يبالون بعد ذلك في أي واد هلك
لأنّهم لا يملكون البديل، المهم أن يترك المجتمع هذه الثقافة ذات الثابتية و العوائد المتجددة و التي ترفض الفكر الديمقراطي
إلى ثقافة الفردية المتأرجحة و التي لا عوائد مفيدة على المجتمع منها.
وكذلك الإخواني تجده عندما يعمل في الجزء الذي تمكّن فيه من إعلامنا يسعى إلى تجذير ثقافته الحزبية عن طريق هذه القنوات الإعلامية و إقتلاع كل ماهو سلفي ومحاولة التقليل من شأن العلماء السلفيين و إظهارهم على أنّهم عاجزون أو أنّهم حقبة تاريخية جميلة ومضت وكذلك إظهار تلاميذهم إعلاميا ومن أخذ على عاتقه إكمال المشوار السلفي وحارب الديمقراطية بمظهر المداهن الذي لا يهتم بمصلحة الناس و يُرضي شخص الحاكم على حسابهم، و يَظْهَرُ هذا الإخواني إعلاميّا بمظهر (روبن هود)المدافع عن الضعفاء والفقراء، ويختزل الدين كله في الشأن المالي ويوهم الضعفاء أنّه لو تمكن فإنه سيعيّشهم عيشة الملوك. و هكذا يسعى كلا الفريقين في مجاله الإعلامي لنقض السلفية التي تشكّل ثقافتنا وذلك على محورين،
 الأوّل تنقّص السلفية وثلبها و عيبها مباشرة و إتهامها بالتخلف و العمالة و الإرهاب معاً بشكل يظهر فيه التذبذب من قِبَلِهِم و عدم وضوح الرؤية لديهم.  
والثاني المساعدة  في تكوين تيّار  يدّعي أنّه هو السلفي وإظهاره و إشهاره إعلاميّا أنّه الطاهر المطهر و لكنه في الحقيقة منفصل عن ثقافة المجتمع السلفية الحقيقية أي مصاب بالفصام العلمي وذلك لجلب المخدوعين و العامّة اليه و لكن عند أوّل إختبار لهذا التيّار  يسقط بمدحه لكيانات أُخرى ليست بسلفية أو يمدح من يمدحها، ويقوم أيضاً التيار الليبرالي بالعمل على هذا التيّار المصاب بالفصام العلمي  بمحاولة إظهاره إعلامياً أمام الحكّام و أصحاب القرار بأنّه التيّار الذي يمثّل السلفية الحقيقية،
و هذه الحالة العدائية تجاه المنهج والثقافة السلفية من أبرز القواسم  المشتركة بين الليبرالي و الإخواني في طرحهم الإعلامي، وهي محاولة إتهامهم لثقافتنا الأصيلة و إظهارها عن طريق الإعلام بأنّها متخلفة أو إراهبية أو عميلة أو منعزلة ولا تريد المشاركة في التنمية والأخيرة هي ما يركزون عليه في إعلامهم مؤخراً وذلك لضرب أساس الدولة السعودية التي قامت على هذه الثقافة وهي السلفية و لإحلال مشروعهم الديمقراطي الخبيث محلها و إقناع الناس به
ألا وهو الملكية الدستورية و هي صورة من صور الديمقراطية الشكلية في الحكم و معناها الحقيقي هو تنحية الحاكم عن حكمه و إعطائه شيئ من المكانة الشكلية ليس إلّا
و ما علم هؤلاء الإخونج أنهم قد سقطوا في أوّل إختبار بل سقطوا في كل الإختبارات إبتدأ من سرقة أموال الجمعيات الخيرية إلى الدعوة صراحة إلى العلمانية مرورا بتغرير أبناء المسلمين بما فيهم الضعفاء للذهاب إلى مناطق الإرهاب و الصراع و الفتن بحجة أنّ الخلافة قادمة و أنّ الأرض تنحني لمن يثور على حد قولهم ثم يطلق هذا الإعلام المصاب بالفصام بالسلفية الجهاديّة و بأنهم إرهابيون،ولا حول ولا قوة الا بالله و تجد أبنائهم في أمريكا وبريطانيا يدرسون القانون الدستوري؟؟
وهنا تساؤل و وقفة بسيطة في توجّه أبناء الاخوانيين والليبراليين إلى دراسة القانون الدستوري مع أنه ليس بمستوى فائدة دراسة القانون التجاري في بلادنا فالتنمية تحتاج دراسة الأنظمة التجارية ولا تحتاج القانون الدستوري
 و لكن الصراع السلطوي و الثقافي هو الذي يحتاج للقانون الدستوري بشكل كبير فإنّ وراء الأكمة ما ورآئها.
فكلا الفريقين الليبرالي والاخواني يجد في الاعلام مجالاً رحبا للتمهيد لكن بطريق غير مباشر إلى ما يسمى بالملكية الدستورية و لأنّه مفلس ثقافيا و يحاول أن يصل إلى هذا الهدف بأي وسيلة كانت فكان الإعلام مجالهم الأرحب لإثارة الصراع الثقافي للوصول إلى أهدافهم  و إلّا لو كانت ثقافتهم أصيلة لما احتاجوا إلى إثارة الصراعات الثقافية عن طريق الإعلام وغيره لإثبات وجود ثقافتهم الدخيلة.
**إن عدم إرجاع الإعلام إلى سياقه الطبيعي مترجما لثقافتنا ترجمة تفصيلية على جميع المستويات وخصوصا المستوى الديني والاجتماعي والسياسي والتعليمي سيؤدي إلى أزمة تعصف بمجتمعنا على جميع مستوياته لأن الأيقونات الحاضرة في سماء الصراع الثقافي والفكري في السعودية كلها ذات انتماء خارجي لكتل ثقافية وسياسية و أُمميّة فهي بالتالي رافضة لثقافتنا ولدولتنا على مستوى أشخاصها من حكام وعلماء سلفيين و على مستوى بنائها السياسي المتمثل في الملكية الحقيقة الشرعية لا الدستورية الديمقراطية وكذلك رفضها لأبنائها اصحاب العقيدة السلفية النقيّة
فالحرب ضروسة في هذه الفترة بالذات لأن الضمير الجمعي وبسبب الفصام الإعلامي الفاعل في هذه الفترة وصل الى مفترق الطرق فإما ان يأخذ الثقافة الدخيلة ويتبناها و إما أنّ يثبت على ثقافته الأصيلة ويدافع عنها ويترجمها ترجمة تفصيلية عن طريق الإعلام والتعليم ببرنامج عملي تفصيلي متجدد على جميع الأصعدة خصوصا في الاعلام و التعليم وقد أدرك ذلك علماؤنا السلفيون ومنهم سماحة شيخنا الشيخ صالح الفوزان و أكّدوا على أهميّة دخول السلفيين في الإعلام وعدم تركه لأصحاب الهوى. ولكن الدخول الى الإعلام يجب ان يكون ببرنامج عملي تفصيلي يقوم على وضعه علماء شرعيون وخبراء في التربية و علم الإجتماع و الإقتصاد يترجم السلفية عقيدة و سلوكا ويكشف عن الرؤية العميقة للسلفية للحياة و مجالاتها.
**نخلص فيما سبق إلى أنّ المادة الثقافية لاتقوم بنفسها أبدا بل تحتاج إلى إعلام وبلاغ وأن الإعلام جزء لا يتجزاء من أيّ دعوة وهو من أعظم الوسائل لتبليغ الثقافة والرؤى و أنّ فقد الثقافة للإعلام هو فقد لمكانتها وحلول ثقافة أخرى مكانها فمن سنن الله أنّ الوسط الاجتماعي لا يكون فارغا أبدا بل لابد من ثقافة تملؤه ونخلص كذلك إلى أن مواجهة الثقافات والافكار الدخيلة لا يكون إلّا بأمرين الأول وجود برنامج تفصيلي وعملي و الثاني وجود إعلام يقوم بهذا البرنامج التفصيلي ويحوله إلى ثقافة داخل مؤسسات الدولة و داخل المجتمع وبهذا تُنَمِّي و تُحَصِّن و تُكافح.ا.ه

ثلاثاء, 06/02/2018 - 13:34

          ​