
أصبحت لغة النقود والأواقي أسهل لغة تستخدم في التواصل والإرضاء أقصر طريق نحو القبول والاستحواذ، لغة يستحسنها الجميع، ويسعى إلى الحديث عنها وبها، حتى غدت الحياة والسعادة مفردات تفقد دلالاتها اللغوية ومعانيها الراسخة، وحتى كاد إنسان اليوم يغرق في وحل الطمع والأحلام البالية.
هي ظاهرة تكاد تستحوذ على قلوب السواد الأعظم من المجتمع، وحتى غدى الزواج أعظم العهود عند الله بضاعة يتاجر بها ووسيلة للثراء والحظ فترى الأسر تتنافس على من يعطي أغلى مهر لبناتهم ضاربين عرض الحائط بالدين والقرابة والمكانة الاجتماعية والفضل والعلم، ومنفذين لطلب البنت مريم حين نادت على أمها قائلة : أريد رجلا يلبي لي أحلامي ويشتري لي كل ما عند صديقاتي من أسباب الترف، ولا أريد فارس أحلام فهذا زمن القروش والفضة وليس زمن الأحلام والقرابة .
ويختصر الفتى سعيد الظاهرة بقوله لابيه كن لاعب كرة قدم أو دعني أكن ! وذلك حين عاد الأب مساءا من عمله البائس يحمل أثقاله وأثقالا مع أثقاله، ويكرر الفتى حين يزجره أبوه عن متابعة مباريات كرة القدم :يا أبت إعلم أن راتب أحد هؤلاء الذين يركضون خلف كرة الهواء هذه يكفينا مدة حياتنا...! فيعجب الأب وسكت على غضبه.
وما حال البقية ببعيد من مريم وسعيد، فالناس تغدو وتروح حديث ساعتها النقود وأهلها ، حتى أن أهلها النقود المالكين أصبحوا هم القبلة الصحيحة التي تبطل الصلاة إلى غيرها.
فعلا لقد بلغ حب الأوقية وأخواتها مبلغا عظيما عند أبناء اليوم حتى طغت على الجانب الروحي و جانب الجمال من الحياة وحتى أفسدت على الناس معنى هذه اللحظات القصيرة التي سيقضونها هنا في دار الامتحان، فسعادة تنضب وعز يغيب بغياب المال، هو قمة الجهل بحقيقة الانسان والحياة، وبحث عن الماء في السراب.
ديدي نجيب