الأخبار الزائفة أو أسلحة الدمار الشامل الجديدة حسن أوريد

أصبح مصطلح Fake News الذي يفيد الأخبار الزائفة من المصطلحات الرائجة في الحقل السياسي، ويتجاوز مصطلحات كانت سارية من قبيل الدعاية أو التضليل أو الافتراء أو المزايدة.. ذلك أن مصطلح الأخبار الزائفة، أضحى من الأدوات السياسية لقولبة رأي عام، أو الإجهاز على خصم، أو تأليب جناح ضد آخر، ليس فقط على المستوى الداخلي، بل على مستوى العلاقات بين الدول كذلك.الضحية الأولى في الحروب هي الحقيقة، مثلما يقول الاستراتيجي الألماني كلوستفيتز.

والحرب ضد الحقيقة بلغت شأوا غير مسبوق في عالمنا، بسبب وسائل الاتصال المتطورة، رغم المقتضيات الداعية للموضوعية في الإعلام، والعلانية في إبرام الاتفاقيات الدولية، وشجب الدبلوماسية السرية التي كانت سببا في اندلاع الحرب العالمية الأولى.

كل هذه المبادئ الجميلة، من الموضوعية في الإعلام، والعلانية في إبرام الاتفاقيات الدولية (التي تسجل في الأمم المتحدة)، لا تصمد أمام هذا السلاح الجديد، سلاح الأخبار الزائفة.الأخبار الزائفة كأداة للتأثير والتدخل ليست شيئا جديدا، إنما الجديد أن المصطلح أصبح ساريا، أو مُكرسا، ويُستعمل في الصحافة الفرنسية بصيغته الإنكليزية Fake News ويطالب البعض التعامل معه ليس كزيغ صحافي أو جنوح، بل كجنحة ينبغي أن تقع تحت طائلة القانون الجنائي للأخطار المرتبطة بها وإذا كان الأمر كذلك على مستوى الشخصيات العامة، فمن باب أولى الدول، للتداعيات الناجمة عن الأخبار الزائفة.في 1987، استخدمت المعارضة الرومانية صورا مفبركة من مستودع الأموات لمدينة تيميشوارا، وزعمت أنها من ضحايا تقتيل الديكتاتور الروماني شاوشيسكو ، وبوليسه السري الرهيب سيكورتات، وتبين بعدها أن تلك الصور لجثامين لا علاقة لها بمجازر ارتكبت، واستعملت لغاية تشويه صورة الديكتاتور وتأليب الرأي العام الداخلي والدولي ضده. وبعد سقوط حائط برلين أفرزت الممارسة الدبلوماسية ما سمي بحق التدخل من أجل حماية حقوق الإنسان.

وتبين بعدها أن «حق التدخل» الذي اعتمدته بعض الدول الغربية يشكو من علّة الكيل بمكيالين، وأن الدول الغربية تستعمل هذا الحق أو تدعو له، ليس بناء على مبادئ، وإنما وفق ما تمليه مصالحها، فلم تتحرك حين كانت مجازر التطهير العرقي تُرتكب في البوسنة، أو عمليات إبادة تُجترح في رواندا. وأمام حجم الانتقادات لمصطلح حق التدخل، الذي يذكر بمصطلح «المهمة التمدينية» الذي كانت تتلفع به الدول الاستعمارية لتبرير توسعها واحتلالها، تم استبدال المصطلح بمصطلح آخر «واجب الحماية»، لكن ماذا يفيد تغيير المصطلح، حينما لا يتغير المعنى أو الممارسة؟الحالة الأبرز لاستعمال الأخبار الزائفة هي السلاح الدعائي قبل حرب 2003 على العراق، ومنها الزعم بامتلاك العراق لأدوات التدمير الشامل، والالتفاف على لجنة المراقبة، وتبين بعد الحرب زيف تلك الادعاءات. قد تكون «الأخبار الزائفة» على مستوى العلاقات الدولية، إحدى وسائل الإجهاز على أنظمة ديكتاتورية، تُسيّج كل أوجه الحياة العامة، وتخنق الأنفاس وتُضيّق على الرأي، حتى لا تبرز إلا نظرتها أو «حقيقتها»، ويكون سلاح «الأخبار الزائفة»، رد فعل للتسييج الإعلامي والتضييق السياسي، لكن هل يمكن التغاضي عن سؤال ملح، حينما تكون الأخبار الزائفة مبررا للتدخل العسكري، وحين يكون التدخل العسكري، وَبالاً ويفاقم من وضع معين؟ لقد تدخلت الولايات المتحدة في العراق بناء على الزعم بأن العراق يمتلك أدوات التدمير الشامل، وواكب ذلك حملة إعلامية، مثلما واكبها تبشير بقيم الديمقراطية ونظام السوق، ورسم خطاطة للشرق الأوسط الجديد انطلاقا من العراق، مثلما نادى بذلك الأمريكي من أصل لبناني فؤاد عجمي، في مقال له متزامن مع الحرب في مجلة Foreign Affairs (يناير ـ فبراير 2003) .

واقع الحال في العراق يفند تلك المزاعم، ويشي بأن «الواقع أصدق أنباء من المزاعم».التدخل العسكري في ليبيا لم يضع البلد على سكة الديمقراطية، وأضحى البلد موزعا بين ميلشيات، ومافيات تتاجر في البترول والبشر، وأضحت ليبيا بؤرة تهدد الأمن والاستقرار في حوض البحر البيض المتوسط، وأضحت هي نفسها مهددة بالتقسيم.هل يمكن التعامل مع الأخبار الزائفة كجنوح إعلامي وممارسة دبلوماسية مقبولة؟ أم يتعين ضبط هذا الجنوح بأدوات قانونية زجرية، والحال أن الأخبار الزائفة قد تفضي إلى نتائج مريعة، ومنها تفكيك مجتمعات والتناحر بين مكوناتها وتهديد دول. ما زاد من تأثير الأخبار الزائفة الوسائل الحديثة للتواصل، فقبل شيوع وسائل الاتصال الحديثة كان هناك فصل بين الكاتب والقارئ، بين المذيع والمتلقي، بين الصحافي والمشاهد، مع الفارق الزمني بين الكتابة والنشر والتلقي. هذا الفصل انتفى، فالقارئ كاتب والمشاهد مخرج، وله جمهور حقيقي أو افتراضي في الفضاء الأزرق، في الزمن المباشر. هذا الجمهور الافتراضي، والقوة الضاربة للتواصل عبر الوسائط الاجتماعية هو ما حدا بأصحاب القرار إلى استعمال الوسائط الاجتماعية في التواصل، من قبيل تويتر وغيرها. ما القيمة السياسية لتدوينات سياسيين؟ هل تلزم دولهم؟كاتب مغربي

أربعاء, 25/04/2018 - 11:15

          ​