مداخلة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في الندوة المنظمة من قبل المركز الموريتاني للدراسات و البحوث الإستراتيجية مساء السبت 16 أغسطس 2014 بفندق إيمان / نواكشوط حول القضية الأزوادية بمناسبة صدور كتاب: الطوارق..من الهوية إلى القضية و التي قدمها مستشار رئيس الحزب الدكتور أحمد ولد المصطف باسم رئيس الحزب، الدكتور إسلكو ولد أحمد إزيدبيه.
السيد مدير المركز الموريتاني للدراسات و البحوث الإستراتيجية؛
السيد مؤلف كتاب: الطوارق .. من الهوية إلى القضية؛
السادة الباحثون و المهتمون بالشأن الأزوادي؛
أيها الحضور الكريم،
باسم رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الدكتور إسلكو ولد أحمد إزيدبيه، و باسمي شخصيا، أتوجه بالشكر للمركز الموريتاني للدراسات و البحوث الإستراتيجية على الدعوة الكريمة التي قدم للحزب لحضور هذه الندوة الهامة حول القضية الأزوادية و تداعياتها على الأمن الإقليمي و الدولي، و بالأخص على بلدنا.
في هذه المداخلة سأتطرق بعجالة للنقطتين التاليتين:
1 / العلاقات التاريخية بين موريتانيا و إقليم أزواد
2 / الدور الموريتاني الرسمي في إيجاد حل للصراع في هذه المنطقة
بخصوص النقطة الأولى، فقد نشأت روابط خاصة بين سكان موريتانيا و الأزواديين على مر العصور عززها الجوار الجغرافي و تشابك الروابط الاجتماعية و الثقافية و الروحية بين فضاءين كانا حتى أمس القريب منطقة واحدة ولن أطيل في الخوض في هذا الجانب لكون من سبقوني قد تطرقوا له بإسهاب.
أما بخصوص الدور الموريتاني الرسمي في القضية الأزوادية منذ الاستقلال و حتى الآن فأعتقد أنه مر بالمراحل التالية:
ـ مرحلة عدم الاكتراث
امتدت منذ الاستقلال حتى نهاية الألفية الماضية حيث إن بداية أحداث التمرد التي شهدها إقليم أزواد في مطلع ستينات القرن الماضي تزامنت مع السنوات الأولى للاستقلال الوطني و ما صاحبها من انشغال النظام القائم آنذاك في إحراز الاعتراف الدولي و ترسيم الحدود مع الدول المجاورة و من ضمنها مالي و إعادة ترتيب البيت الداخلي و هو سياق يبدو أنه لم يكن يسمح في تلك الفترة بالتفكير الجاد بتمرد الأزواديين الأول على الحكومة المركزية في مالي. وعند تفجر المشكل الأزوادي من جديد مع مطلع تسعينات القرن الماضي كان النظام القائم آنذاك في موريتانيا و لأسباب متعددة، لا يتسع المجال لذكرها، لا يمتلك سياسة إفريقية ناجعة تمكنه من أن يكون لا عبا فاعلا في هذه القضية.
ـ مرحلة تأثر موريتانيا المباشر بالوضع في أزواد
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 و تصاعد نشاط الجماعات الجهادية في الشمال المالي و تهديدها المباشر للأمن القومي الموريتاني و الذي تجلى في عمليات إرهابية استهدفت عناصر من الجيش الوطني في لمغيطي ( يونيو 2005) و الغلاوية ( ديسمبر2007) و قوات الأمن في نواكشوط (2008 ) مع قتل أجانب على التراب الوطني (السياح الفرنسيين في ألاك ديسمبر 2007 ) و اختطاف آخرين إضافة إلى سيارة النعمة المفخخة و اختطاف عنصر من الدرك الوطني في عدل بكرو.
ـ مرحلة الاهتمام و التأثير
هذه الأحداث الخطيرة و المتلاحقة جعلت السلطات العمومية و بالأخص منذ نهاية 2008 تنتبه لجذور هذا المشكل الأمني المتفاقم و الذي مرده في المحصلة الفوضى العارمة في الشمال المالي و انعدام وجود فعلي لسلطة القانون في هذه المنطقة. لقد عمل فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز منذ وصوله لسدة الحكم على درء خطر الإرهاب العابر للحدود و تجسد ذلك في تحديث قواتنا المسلحة و قوات أمننا و إمدادها بالوسائل اللوجستية الضرورية و العمل على توفير التكوين اللازم لها مع إعادة هيكلتها لتكون قادرة على حماية حوزتنا الترابية و السيطرة التامة على جميع النقاط الحدودية، مع تبني إستراتيجية جديدة تتمثل في أخذ زمام المبادرة و مهاجمة الإرهابيين و المخربين في عقر دارهم حيث نفذ الجيش الوطني، بالتشاور مع الحكومة المالية، عمليات استباقية (غابة واغادو) جعلت العدو يفكر أكثر من مرة قبل تهديد بلدنا. إضافة إلى ذلك، تم استحداث حالة مدنية رقمية مكنت من ضبط هوية المواطنين و الأجانب الذين يدخلون التراب الوطني أو يغادرونه كما تم اعتماد توجه دبلوماسي جديد بخصوص الأزمة الأزوادية، خصوصا مع الأحداث التي اندلعت مع مطلع 2012 في شمال مالي و أفضت إلى سيطرة التنظيمات الجهادية على هذا الإقليم، حيث كان موقف الدولة الموريتانية صريحا لا لبس فيه: رفض المساس بالوحدة الترابية لمالي مع تأييد جهود المنظومة الدولية الرامية إلى طرد الجماعات الجهادية من أراضي هذا البلد. و قد تمثل الدعم الموريتاني للمجهود الدولي الرامي إلى تحرير شمال مالي في استنفار وتعزيز القوات المسلحة الوطنية على الحدود مع مالي و التي تزيد على ألفي كيلومتر و عدم السماح للجهاديين باختراقها، مع الامتناع عن إرسال قوات موريتانية للمشاركة المباشرة في العمليات في العمق المالي نظرا لأولوية تأمين حدود بلدنا. بعد ذلك، سهلت الحكومة الموريتانية لقاءات توافقية بين الحركات الأزاودية تمت في انبيكت لحواش و نواكشوط بغية إيجاد حل عادل لهذه المشكلة يضمن لمالي الحفاظ على وحدتها كما يكفل للشعب الأزوادي تحقيق تطلعاته المشروعة في المشاركة في العملية السياسية و الحصول على حقوقه الاقتصادية و الثقافية. كما آوت موريتانيا على أراضيها آلاف اللاجئين الأزواديين و وفرت لهم الظروف الملائمة و العيش الكريم في انتظار إحلال السلام في الإقليم.
وبعد اندلاع المواجهات الأخيرة بين الأطراف المتحاربة، أدت المبادرة الشجاعة التي قام بها فخامة رئيس الجمهورية و رئيس الاتحاد الإفريقي محمد ولد عبد العزيز، المتمثلة في سفره إلى كيدال في أوج المعارك و التفاوض المباشر مع الحركات الأزوادية المسلحة، إلى تحقيق وقف لإطلاق النار بين الحكومة المالية و هذه الحركات في 23 مايو المنصرم ليفتح ذلك المجال للأطراف المتحاربة للجلوس على طاولة المفاوضات بغية إيجاد حل متفق عليه و هي العملية الجارية حاليا و التي يؤمل أن تأتي بنتائج إيجابية.
كذلك و في إطار تعزيز السلم و الاستقرار في شبه المنطقة، تم إيفاد مؤخرا وحدة من قوات أمننا متكونة من 140 عنصرا إلى دولة ساحل العاج الصديقة تحت راية الأمم المتحدة بهدف المساهمة في تأمين منشآت و مرافق عمومية في هذا البلد الإفريقي الذي تربطنا به علاقات تاريخية و حيث تتواجد به جالية موريتانية هامة. كل ذلك يؤكد على الدور المتزايد لموريتانيا باعتبارها طرفا هاما يعول عليه في استتباب الأمن و الاستقرار في شبه المنطقة وقادرا على حماية مصالحه الحيوية.
في الختام، أعتقد أن الدور الموريتاني في تسوية القضية الأزوادية سيستمر و سيكون مؤثرا في المستقبل نظرا لأنه متوازن و يعمل على تحقيق مصالح كافة الأطراف المتصارعة: دعم وحدة الدولة المالية و ضرورة الاعتراف بالحقوق الأساسية للأزواديين. و سيكون من ضمن النتائج الإيجابية لهذه الإرادة السياسية الوطنية الجديدة للتعامل مع الملف الأزوادي المزيد من الاهتمام الرسمي بهذه المنطقة التي تشكل بالفعل عمقا استراتيجيا هاما لبلدنا، يرتبط ارتباطا وثيقا بأمننا القومي و بمصالحنا الإستراتيجية.
أشكركم و السلام عليكم و رحمة الله.