ما كنت لأقدم قراءة لهذا الكتاب لو لا أنه وقع بين يدي صدفة فانهمكت في قراءة، فألفيته كتابا من بين أهم الكتب الفقهية التي اكتست طابعا حقوقيا.
نشر كتاب لمعلمين والإحساس ببطر الحق وغمط الناس لمؤلفه محمد غالي محمد المختار سيدي القربوزي سنة ٢٠١٣، وقد أثار زوبعة إعلامية عظيمة بين المدونين فانهالت عليه التعليقات المؤيدة والشاجبة، غير أن تلك التعليقات لم تكن في أغلبها منطلقة من قراءة متأنية لما يحوي الكتاب وإنما كانت في أكثرها اسقاطات تعسفية عليه ومحاكمة نوايا، فلم توجه النقد نحو المكتوب بقدما وجهته صوب الكاتب وكأنه مذنب بإقدامه على هذا العمل الجبار، الأمر الذي جعلني أجهد نفسي لأقدم له هذه القراءة المتواضعة علها تنير الطريق أمام القارئ وتوجهه إلى النواحي المضمونية لهذا الكتاب وأن تكون حافزا للباحثين ليتناولوا الكتاب بطريقة إبستمولوجية بحته بعيدا عن التغلغل في أقفاص الأيديولوجيا المفعمة بالأفكار المسبقة.
فهذا الكتاب في حقيقته بمثابة رسالةمن مؤلفه إلى الدعاة والعلماء وصناع الرأي تحثهم على أن يخاطبوا كل من يقع في أعراض لمعلمين ويحذروهم من الكبر وغمط لمعلمين تمشيا مع ماحثت عليه الأحاديث النبويةالشريفه <<من أقال عثرة مسلم أقال الله عثرته>> رواه مسلم.
ويستعرض المؤلف في هذا الكتاب أهمية الذب عن العرض والتحذير من خطورة التعرض لأعراض المسلمين، في الوقت الذي يستعرض الأكاذيب المطلقة كـ"أحاديث" و"أنظام" على غرار الأنظام الفقهية التي ألفت قديما للتقليل من أهلية القوم وعدم اعتماد شهادتهم وعدم جواز الصلاة خلفهم... إلى غير ذلك من المسائل النمطية التي انطبعت في الذاكرة الجماعية للمجتمع ضد هذه الفئة.إذ يعتبر المؤلف أن كشف اللثام عن هذه الأوهام وبيان تهافتها بات أمرا ضروريا ولم يعد مسؤولية لمعلمين فحسب بل راح مسؤولية تقع على عواتق الجميع، وقد استطرد الكاتب في هذا الكتاب بإيجاز شذرات من تاريخ موريتانيا اعتضادا لا اعتمادا مبينا في الوقت ذاته خطورة التركبة الاجتماعية الاستاتيكية التي يتم تربية الأطفال من خلالها على تكريس الهرمية العمياء التي لا أساس لها، والتي تقضي بأن ثمة حواجز صلبة سنها المجتمع كمعيار للأفضية لا سبيل إلى تجاوزها .
وقد وقف المؤلف وقفات أساسية مع كل هذه الاتهامات ورد على كل على حدى مما جعل الكتاب يبدوا كما لو كان كتابا فقهيا.
وقد أجاب المؤلف في هذا الكتاب على التساؤلات التالية :ما معنى لمعلمين؟ وما سبب الاعتداء عليهم؟ ثم ما هي أهم الإدعاءات والاتهامات التي ألصقها البيظان بإخوانهم لمعلمين؟
وقد قدم المؤلف نماذج واقعية لهذه الاتهامات وهي كالتالي:
أولا:قولهم:
شهادة القين ترد أبدا والمقتدى به يعيد أبدا
ثانيا:ادعائهم أن لمعلمين "أبناء الشجرة أو من روثة حمار أو أنهم من أصل يهوي.
وقد تم التأكيد من خلال هذا الكتاب أن هذه الادعاءات والاتهامات لم تحدث في عهد الرسول ولا في عهد صحابته المهديين ولا التابعين ولا تابع التابعين وإنما ظهرت حين انصرفت الأمة عن نهج الدين الصحيح إلى الدنيا وانحرافاتها وبعد أن باض الشيطان وفرخ في ديارها، ليخلص المؤلف في النهاية إلى إعادة التحذير من الوقوع في أعراض لمعلمين ورميهم بالأوصاف التي لا تليق في حق الإنسانية.
وما يميز هذا الكتاب هو رؤيتة الموضوعية المستنيرة والاتزان في الفكر الذي اتسم به، وطريقته في المحاججة الدينية ودحض الأوهام التي لا يزال البعض يلصقها بلمعلمين للأسف وكأنها حقائق لا جدال في صحتها.