ترف القمم / عبد الفتاح ولد اعبيدن

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها".
بعض الناس لا يمل من الدنيا ولا يمل من الجاه ولا يمل من مختلف المتع الدنيوية وغالبا يكون السبب محاولة تكاد تكون مستحيلة لملء فراغات يجدها في نفسه، يسميها علماء النفس بالعقد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد، من وجه آخر لا يملئ جوف ابن آدم إلا التراب.
ولا تكاد تخرج بدعة عقد القمم عندنا من هذا السياق.
ففيها منفعة ظاهرة وباطنة وفيها منافع خاصة وعامة إقليمية ودولية، وقبل ذلك فيها ما فيها من محاولة تجاوز بعض عقد الدونية الدفينة الراسخة، عبر استقبال عظماء الدنيا من هنا وهناك، عبر السجاد الأحمر، على أرضية مطار "أم التونسي" المكلف المرهق المثير.
أما عقدنا قمة عربية محدودة في يوليو2016 وغاب عنها الكثير وحضرها صاحب قطر بصورة أثارت التساؤل والإستفسار، لمدة ساعات فحسب، ليغادر فوريا إلى موطن آخر في أمريكا بعيدا عن بلاد شنقيط وخيمة عزيز المؤجرة، واليوم نصرف المليارات وعمال بعض مؤسساتنا يتضورون جوعا من تأخر الرواتب، على مستوى المطبعة الوطنية أربعة أشهر، قرابة ستة أشهر في مؤسسة وشهرين أو أكثر لدى لجنة الصفقات، وفي المقابل تصرف 14 مليار بطريقة مثيرة غير مقنعة إطلاقا، لاستقبال هؤلاء الضيوف الثقلاء، المرتقب انعقاد قمتهم أيضا في مطلع يوليو من السنة الجارية.
قمة بمعدل سنتين .
عقدة القمم، ترى ما المحصل منها، افترض أننا عبر سياسة القمم وسعنا دائرة علاقاتنا الدبلوماسية إلى حد المجاملة البراكماتية المقرفة على حساب العلاقات الدبلوماسية الأخوية مع دولة القطر المظلومة، لكننا ندعي على الصعيد الرسمي، أننا نخوض تجربة ومقاربة أمنية ناجحة على الصعيد الأمني، وفي المقابل لم نتمكن بعد من القبض على بعض المراهقين الصغار، المفترض أنهم نفذوا عملية "التجاري بنك" على قارعة طريق معبد في العاصمة نفسها، تماما على وجه تصدير الماء، جاور الماء تعطش، وجاور الكهرباء تحل بك الظلمة، ولكننا نحاول تصدير هذا الكهرباء بعدما عجزنا عن توفيرها داخليا على وجه مستقر، ندعي رسميا أننا نحاول تصديره لجارتنا السينغال.
تماما أيضا على منحى قصة المقاربة الأمنية، فقد بسطنا النفوذ الأمني حسب المدعي داخليا وبطرق سحرية، تحتاج إلى تفهم أسطوري، دون أن يكون ذلك النقص مخلا كثيرا بالأمن ،إذا ما قورن جهدنا الأمني بدول ومجتمعات أخرى في المنطقة، إلا أن هذا النجاح الأمني النسبي، لا أراه يصلح للدعاية السياسية الواسعة، فمشاكل الغير تختلف عن طبيعتنا المسالمة، التي قد نفشل في بعض جوانب متطلباتها الأمنية، إلا أن التغلب على ذلك قد يكون مسألة وقت.
لا، موريتانيا أقوى من ذلك حسب الأبواق الرسمية، فهي تريد نقل مقاربتها الأمنية إلى الجيران أيضا، على غرار بيع الكهرباء للجارة السينغال، وذلك عبر مشروع دول الساحل G5.
فقط، أبرز ما استفدناه من قمة العرب وربما القمة الإفريقية المرتقبة، هو محاولة التسويق المباشر وغير المباشر، لمشروع دول الساحل الخمس، عسى أن يتحول يوما إلى مشروع خادم لأمننا وأمن جيراننا في منطقة الساحل، رغم بعده الاستعماري المكرس لعودة نفوذ فرنسا ،وليس من النافذة فحسب، عبر دعايتها لهذا المشروع لدفع الخليجيين والأوروبيين وغيرهم لتمويله، ورغم ذلك مازالت القصة قيد الإنجاز في عمومها، سواء مختلف جوانب هياكله المعقدة أو تمويله الأكثر تعقيدا، لأن جل ما نسمع من مليارات في الإعلام في مختلف مشاريع هذا العالم، أغلبه يستهلك إعلاميا ويتأخر كثيرا ما،عمليا، وليس أحيانا فحسب.
إلا أن المؤشرات تدل على أن ولد عبد العزيز بذل جهودا معتبرة لإنجاح هذا المشروع الهام أمنيا، سواء بالنسبة لنا أو غيرنا من دول الساحل أو حتى بعض الدول الغربية، لأن هذه المنطقة، مأوى لكثير من الظواهر الإرهابية والتخريبية وغيرها "القاعدة /تهريب المخدرات /بيع الأسلحة"، وكل هذا تساهم فيه بقوة وفي بلدنا بوجه خاص طول الحدود وضعف الرقابة عليها، وخصوصا بسبب نقص التكوين ونقص الوسائل المختلفة، وشيوع ظاهرة الرشوة وتبييض الأموال.
فهل ستدفع الأموال المرتقبة الوصول لمنطقة الساحل للمزيد من هذا الانهيار الأخلاقي والإداري والأمني، أم أننا قد نبذل جهودا على مختلف الصعد، على مستوى دول الساحل وحلفائها، لنصل فعلا إلى مقاربة أمنية مقنعة وناجعة، يوما ما، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي لاحقا، إن أمكن.
سياسة القمم تصب في هذا الاتجاه، مثل محاولة الدفع الإيجابي بمشروع دول الساحل، ومحاولة الاستفادة من أموال إخواننا العرب المتنازعين إلى حد محير، هذا إلى جانب محاولة ملإ الفراغ على مستوى قيادة دول إفريقية المجاورة بوجه أخص، ولنفترض أن هذه الأهداف والغايات في غاية الأهمية ومشروعة الطلب والطموح نحوها، إلا أن العرب في سابق تجاربهم وأمثلتهم يقولون، حفظ الموجود أولى من طلب المفقود.
فينبغي أن نسعى إلى هذه المصالح، الأمنية والتنموية بوسائل متوسطة، تناسب حجم مقدراتنا المالية بوجه خاص، ففي القمة السابقة صرفنا المليارات من أجل ساعات ،وبعد سنتين، ها نحن ندشن قصر مؤتمرات جديد بطريقة مخلة ومثيرة ومرهقة للمال العمومي، على رأي البعض.
فهلا حاسبنا أنفسنا بشفافية وصدقية وموضوعية، قبل أن يحاسبنا الشارع، في لحظة غضب غير محسوب.
فليبيا كانت ذات وضعية مستقرة يوما ما، ويحكى أن أهلها كانوا يخافون أي قطرة دم تسيل، واليوم بحكم الضغوط، تحول الكثير من أبناء شعبها إلى جرأة لافتة على التقاتل وسفك الدماء بسهولة ووحشية نادرة، وفي تاريخ البيظان وغيرهم على أرضية هذا الوطن من تاريخ "السيبة" أمثلة تدل على الدموية الكامنة في هذا الشعب، والتي قد تعود لتنفجر بصورة أعنف، إن لم نتحاشى باستمرار الضغط عليه، عبر تجويعه وإهانته واحتقاره ودفع أمواله لرأس الهرم وبعض رجال أعمالنا الشرهين المغامرين.
وباختصار ما يجري في هذه الفترة وفي غيرها لدى الأنظمة السابقة المتعاقبة، وما خلف من تراكمات، يكفي للدفع بثورة دموية ممزقة لهذه الدولة والمجتمع.
فأحسبوا جيدا معشر الحكام ورجال الأعمال المستفيدين قبل أن تعقلوا على أعواد المشانق، لا قدر الله.
لقد أكلتم إلى حد التخمة وجاع الشعب إلى حد الألم والنقمة، وهذا يكفي إن لم تراجعوا أنفسكم بسرعة، فالطوفان بات قريبا على الأبواب، وأنتم غارقون في ترف القمم، تداعبكم رياح المحيط وتسيرون على السجاد الأحمر المخدر و ربما لم توقنوا بعد، حسب الظاهر من تصرفاتكم من قوله تعالى : "وقفوهم إنهم مسئولون".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"
هذه القمم مفيدة في بعض جوانبها لكن سلبياتها من الناحية المالية تستحق النظر على الأقل لترشيد النفقات.
قيل في الأثر : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم".

أربعاء, 13/06/2018 - 09:22

          ​