أحزابنا و القبيلة ...!

تقترب الاستحقاقات و الشعب لايزال في وهن مما أصابه من قحط وجفاف في هذه السنة العجفاء ، و في نكد من التطلع إلى غد مشرق لا فقر فيه و لا غبن .

و لقد كانت حملة الإنتساب الأخيرة للحزب الحاكم اختبارا قيما للفاعلين السياسيين ، و للناخبين الكبار الذين لم يفهموا القصد ، و إن كانت الدولة من ورائه أصبحت على بينة تامة من حجم الكتل (القبائل) مكرسة بذلك القبلية المطلقة و مشجعة النعرة الجاهلية المقيتة .

في هذه الأيام يتخندق الجميع خلف لافتات مموهة لا تحجب الواقع عن المتأمل ..فليست الأحلاف التي ظهرت مؤخرا إلا قبائل و عشائر وليس الوجيه و الفاعل السياسي إلا زعيم قبيلة أو فارسها المغوار .. و ليست الأحزاب السياسية إلا واجهة مزخرفة تدثرت خلفها قبيلة غاضبة على اختيارات الحزب الحاكم القائم أصلا على مبدإ التوازنات القبلية ..إنها واجهة سياسية بخلفية قبلية .

و إن كان من المفروض أن تسعى هذه الأحزاب إلى النأي عن القبيلة ،و عن فرض إملاءاتها الإقصائية ، فإن المفارقة أغرب حين يكون المثقف الحاذق هو الفارس المقدام و البطل الهمام الذي تتكسر رماح التغيير "الشحيحة" فوق دروعه المحصنة بالفكر تنظيرا للشرف و الحمى و الوجود .

و إن كان بالإمكان أن ننتصر لهذه الأحزاب "الورقية" على أنها رفعت الحرج -قليلا- عن المثقفين المؤمنين بمفهوم الدولة - لا هي - يوم يعارضون أو يحاضرون .. الكافرين بها يوم يوالون أو حين تتعارض مع مصالحهم الذاتية الآنية ، فإنها قد ساهمت في تكريس القبلية بأبشع الصور و تحولت إلى قبائل بأسماء مستعارة .. . و لا تختلف الأحزاب ذات المرجعيات التقدمية أو الإسلامية أو الإشتراكية أو القومية عن غيرها ، فقد أضحت - جهارا نهارا - تتناقض مع مبادئها و هي تتفنن في طرق اقتناص القبليين المغاضبين ؛ أولئك الذين لا يؤمنون بها فكرا و لا منهجا ...

و مع أزمة التناقضات التي تسيطر على المشهد السياسي في البلد ، يغدو المواطن ضحية ، ينتظر تصويته لاختيار آكله من ذئاب غابتنا السياسية .

إن عدم احترام الأحزاب لمبادئها و نظمها يؤدي إلى وجود إدارة غير مكترثة لمعاناة المواطن و لا إلى تطلعاته و آماله ؛ فحين تغيب الثوابت ترتبك المعطيات ، و لا تتحقق الأهداف . و عندها يسيرنا اللامقبول كفاءة باللامعقول منطقا ، فنتيه -كما كنا- مع التائهين في بلاد "السيبة" ، لا ندري أي مسلك يوصلنا إلى بر الأمان . فالحذر .. الحذر من متاهات الرجعيين و سفسطة السياسيين.

و اعلم أيها الناخب أن خطاب أغلب رجال السياسة حلو معسول و أداؤهم مر زقوم .

و أن الوطن يستجدينا كي نحسن الإختيار لئلا ننجر وراء المغريات نحو المجهول مرة أخرى .

و أنه لن تكون هناك تنمية ناجحة مالم يكن هناك تحليل حقيقي للواقع و تخطيط واضح يرسم أهدافا منطقية قابلة للتحقق في المستقبل المنظور ، بعيدا عن التوازنات القبلية و عن فلسفة أحزابنا السياسية ..

الحسن محمد الشيخ

أربعاء, 25/07/2018 - 11:42

          ​