ما كان من طبيعة العمل الصحفي وفق أبجديات الإعلام العالمي أن يملك الصحفي موقفا سياسيا يشيد به شرق البلاد وغربها يعيش في ظلاله ومنه يأكل ويشرب، بل كانت السياسة والساسة تخدمه وتسير في ظله كما في العالم، لكننا في موريتانيا نقلب القاعدة، ونجعل من السياسة وأمرها تجارة لا تبور، فقد أصبح اليوم إبراز موقف من الكتل السياسية التي تملأ الساحة فرض عين بعد أن كان فرض كفاية، وأصبح الانتماء السياسي جزء من ماهية إنسان اليوم كما أن وجوده مرتبط بتفاعله بالقوة في مواقع التواصل الاجتماعية.
فلأول مرة أجرب السباحة في غمار السياسة ذلك المحيط المتلاطم الأمواج، فأجدني أصطدم بتيارات متباينة المواقف والخلفيات وكل يدعي أنه يعمل لأجل وطنه وخدمة شعبه، وفي صميم الفعل ما في الصميم.
إن الحديث عن اللحظة السياسية الراهنة التي تعيشها موريتانيا اليوم حديث ذو شجون، لست أهلا لتصنيفه أو تمييز غثه من سمينه، لكنه تبدو في الأفق بعض المواقف الجاهزة والتي نضجت تحت جمر الأيام ولهيب الإعلام، وعجنتها مواقع التواصل الاجتماعي حتى أصبح إنسان اليوم منحازا ومتجها بالقوة لإحدى تلك الاتجاهات السياسية الرائدة، وحتى انطبق علينا قول اليونانيين: إن ترك الفلسفة هو فلسفة في حد ذاته.
وبصفتي متعاونا في إذاعة موريتانيا ومحررا في موقع "اتلانتيك ميديا" الاعلامي، أجدني أملك تجربة ليست بالطويلة وأجد في نفسي جملة من الأسئلة تحتاج لأن توضع على المحك .
رغم أني لا أملك أي توجه سياسي لا أهتم بالنظام ولا بالمعارضة، ولا بمعارضة النظام من داخل النظام ولا بموالاة المعارضة من الموالاة، ولا شغل لي بالحقوقيين ولا بغير ذلك من الأيديولوجيات السائدة من دعاة الحرية إلى دعاة الدين إلى غير ذلك..إنما يهمني أن يظل هذا الوطن يعيش بخير وسلام.
ثم إننا اليوم نعيش في ظل نظام قائم له إنجازاته القيمة والتي تذكر فتشكر في مجال التنمية والأمن والمظهر الحضاري للعاصمة نواكشوط، رغم أن لنا عليه بعض المآخذ.
كمواطن موريتاني يعيش اليوم في ظل عالم متغير تطبعه المادية وتسوقه السرعة إلى المجهول، يكفي أن نعترف بما قدم ولد عبد العزيز من إنجازات من الأمن وإنشاء جيش قوي وقوات أمن لها حسابها في المنطقة، حتى أصبحت موريتانيا تملك تجربة في محاربة الإرهاب والتطرف والجريمة العابرة، استفاد منها العالم؛ كم كان حلما عند كل موريتاني صادق مع وطنه مخلص له أن يشهد قمة عربية وأخرى افريقية تقام هنا في نواكشوط الفتية، وأن يرى ببصره قصر مؤتمرات "المرابطون" يرى النور ويشهد له القاصي والداني بالتميز والكفاءة.
وحسب رؤيتي القاصرة فإن اللحظة السياسية الحالية تفرض علينا أن نثبت في صف المطالبين بمأمورية ثالثة لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، لكننا نشير إلى شيء هام وحاسم وهو إنما ينقص ولد عبد العزيز اليوم هو أن يبتعد عن هذه المجموعة من المفسدين التي يتأبطها بطانة فهي ليست أهلا للقدوة، وليسوا أهلا لتقديم النصيحة والتجربة، فعليه أن يبعد عنه كل الذين يتظاهرون له بالولاء ويتزلفون له بالكذب والنفاق، ويحجبون عنه الحقائق ومعاناة شعبه ويمنعون اطلاعه على أي نقص في مؤسسات الدولة رغم معاناتها بالفعل.
من هذا المنبر أطالب رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز بتغيير جذري في قائمة حاشيته فالرجل على قلب حاشيته ومعاونيه ويندر في صفوف مقربيه من يتسم بصفات القيادة أو من يملك الأهلية للمناصب العليا في بلد مليء بالأطر والأكفاء والعارفين بكل ميادين الحياة، لكن السياسة أبعدتهم لكرههم للدنيا ومن يحبها، رغم أن له مخلصين أكفاء وأهل للقيادة، عدا من هو في الصدارة الآن.
إن انقلاب المعايير الذي طبع الحياة اليوم تجسد أكثر ما تجسد في الولاء فأصبح الإعلام مطية التوجه، وأصبح السياسيون يصنعون جلودا من الإعلام يلبسونها يوم موالاتهم وأخرى في الانتخابات وسرابيل تقيهم بأس بعض وسرابيل تقيهم معارضتهم الأولى، حيث من المفاجئ ظهور بعض السياسيين الذين يجلسون في القناة الموريتانية ويتحدثون عن النظام وإنجازاته، وعن حبهم للوطن وتضحيتهم في سبيله، وهم من كانوا طليعة المفسدين وها هم اليوم يتظاهرون وكأنهم برءاء من تاريخهم الأسود ولا ذنب لهم، وقد غفر لهم التاريخ، وسامحهم الولاء.
ـ وبصفتي متابعا للساحة الإعلامية فقد تفاجأت جدا من الذين كانوا من أشد المدافعين عن ولد عبد العزيز وهم الآن يعارضونه من خارج موريتانيا ويصفونه بما لا يليق برئيس دولة، فقد شهدت الساحة السياسية الآن ظهور بعض السياسيين يهاجمون ولد عبد العزيز مقابل تلقيهم لأموال من طرف شخصية معارضة تقيم خارج الوطن، وهو أمر لا يخدم الوطن، وليس أؤلائك بأكثر ضررا من الذين ذهبوا خارج البلاد وأرادوا معارضته من خارج الوطن وينعتونه بأسوأ النعوت، التي لا تليق به كرئيس وهنا نتساءل أين كان هؤلاء الذين يهاجمون ولد عبد العزيز من خارج البلاد ومن داخلها؟
لقد ظهر بما لا يدع مجالا للشك أن ولد عبد العزيز اليوم يحتاج لمن يدافع عنه بصدق لمن لا يريد من خلف دفاعه مصلحة آنية ولا مؤقتة، في شكل إعلام صادق لا يخدم أي جهة ولا يخاف من التاريخ ولا من المستقبل إعلاما يرجح قول الحق على ما يرضي الرئيس نفسه، حتى يكشف له حقيقة كل أستار المختبئين في وحل الساحة، حيث أنه بين موالاته وقيادات حزبه الحاكم من يعمل ضده ويشتغل على تقويض عمل الحزب وإفشاله ولا أدل على ذلك من فقدان الاتزان الذي ظهر خلال اختيار الحزب لترشيحاته قبيل الانتخابات النيابية والبلدية والجهوية الحالية.
إنني ومن هذا المنبر أدعو الشعب الموريتانيا ذوي الآذان الصاغية أن يصدقوا مع أنفسهم خلال الانتخابات الحالية، ويحكموا العقل ويحذروا من دعاة الفتنة والتفرقة ويحذروا من التصويت للمتاجرين بالوطن الذين يتلقون تمويلا من خارج الوطن، كما أن الشعب الموريتاني اليوم أمام تحد كبير يتجلى في اتحاد موقفه في الوقوف خلف صاحب الانجازات لتمرير المأمورية الثالثة بأغلبية مريحة، بدء بالبرلمان الذي في طور الإنشاء نتيجة الانتخابات الحلية، وصولا إلى آخر محطات المأمورية الثالثة لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز.
ديدي نجيب
محرر اتلانتيك ميديا
ومتعاون في إذاعة موريتاينا
الرقم: 26301730
الايميل: [email protected]