من منبر الصراحة وحب الاخلاص والصدق في العمل نكتب هذه الكلمات خدمة للقارء والصحفي ولحقل الاعلام جملة، كلمات نتوجه بها إلى كل من يهمه أمر الخبر، سعيا منا لتسليط الضوء على ما وراء الخبر لمعرفة الخطوط العريضة والحواجز المانعة عن جمع خيوط القضية وإزاحة التعتيم والتكتم عن خفايا الخبر حين تتضارب الآراء حول الروايات في القضية الواحدة، لنسلك سبيلا يوصل للبت في أصل القضايا المزاحة بالقصد عن طريق البحث والتنقيب وقطع سلسلة النفي والاثبات، بجهود تستقصي حيثيات الأحداث في صفاء تام لايشوبه طعم ولا تكدره رائحة ، بعيدا عن المصالح الضمنية والتعصبات الحزبية والنظرات الضيقة لمحيط الخبر.
إن المتتبع لعنوانين الأخبارالتي تصف قضايا متجسدة على الساحة يدرك بالبداهة أن ما يصدر من مادة إعلامية هنا في موريتانيا نابعا من عدة دوائر سياسية محدودة تعمل في العلن خلاف السر، فظاهرها إعلام ينقل الواقع ببؤسه ومرارته ، وحقيقتها أصوات تستخدم للارتزاق والتزلف والحضور في جناب القناعة السياسية.
وأقرب وصف لاعلام اليوم أن الخبر دخل الحالات المستعجلة وها هو في احتضاره الأخير على مائدة الاعلام السياسي الذي أخذ يتجذر وينبت ويقوى بسرعة ملفتة وينتقده الكاتب والسياسي والعاقل والغبي حين ينهي استفادته منه أو حين يعدم منه نفعا.
فسريعا ما تطوى صفحة الحيرة والسؤال وتعود الأفكار لدربها المعهود، بعد كل خبر يفد على مسامعنا وتراه أعيننا ويكثر تناوله في حيزنا الاعلامي الكسول،ومن النادر أن تجد مجاهدا مخلصا ينزل بقلمه وورقته ومصورته لساحة الحدث لاستقصاء حيثياته ومعرفة ما إذا كان إشاعة مغرضة أو حقيقة ثابتة، ويكفي أن نستمتع بقراءة مدهشة ويثار جدل وتكثر التعاليق على مائدة الحدث الجديد لاستقطاب عدد لافت من القراء ولتظل الصفحة حاضرة بقوة في مسايرة الركب الأول...إنه من المحزن ومن المخجل أن يجلس أهل الاعلام في انتظار الخبر جلسة الفتاة الجميلة في انتظار خطيبها أو ابن عمها المفقود، فعار على من يسمون أنفسهم سدنة الاعلام أن يختفوا ويجلسوا بعيدا عن مائدة الخبر دون نقد أو إشارة لما يخالف المشهور والمقبول في مذهب الخبرة والحنكة.
إننا اليوم في حقل الاعلام لنفتقد لخبرة و تجربة أهل هذا الباب أولائك الذين خاضوا معترك الخبر أيام سخونته وركبوا موجه أيام هيجانه قبل أن يذلل تذليلا، إننا نريد من بينهم رجلا رشيدا رجل لا تأخذه في سبيل استقصاء الخبر لومة سياسي ولا هجمة قبلي ولا انقطاع رزق ... رجل يكون على علم أنه سيسير بقافلة جل ركابها أطفال صغار ونساء بين الحمل والحبل ليهديهم السبيل المستقيم ويسلك بهم صراط النجاة، نحو الوصول لحقيقة كل ما يجري ومعرفة الأيادي التي تقف حاجزا دون بلوغ ذلك...
وأريده رجل أعمال لاتشغله المناصب ولاتهمه القبيلة ولا يفتقر للمصلحة من جهة همه نقل الواقع بلا عنوان وبلا لون وبلا رائحة....لينتج مادة تصلح للوضوء وتصلح للقراء من جميع العقول والثقافات ومن جميع الجهات ومن جميع التعصبات ...
إن أكبر حاجز يحول دون تقدم المادة الاعلامية في موريتانيا هو كثرة الأغراض التي تطبع الخبر ، وانعدام الصحافة الاستقصائية التي تعمل على ما بعد الخبر أو ماوراء القضية، فكل مايهم الاعلامي هو صورة تخدمه ويوظفها لغرضه الأساسي، وذلك ما أصبح يسيرا مع ميلاد "الفيسبوك" و"الفوتوشوب".
إننا نبحث عن رجل قادر على معاينة الحدث حين تكثر الروايات والأقاويل حول القضية وتأخذ عدة منعرجات سياسية أو قبلية أو غير ذلك... ليبعث جذوره ويستقصيي حدوده ويكشف للناس الخيوط الخفية في الأمر.
وإذاكانت الأحداث السياسية هي المحك الذي تدور عليه رحا الاعلام فهل من الممكن أن نضع حواجزا مانعة لاختلاط مغازي الأهداف السياسية وتفاصيل المادة الاعلامية؟ أم أن صياغة الخبر تتم في الأصل وفقا لاهداف ضمنية تخدم التوجه السياسي؟ وهل أصبحنا اليوم نعيش عصر الاعلام السياسي المغرض ؟ أم أن هذه فترة السياسة الاعلامية التي يخضع فيها كل شيئ للسياسة وحتى الحوادث والقضايا العرضية أصبحت تسير وفق منهج مسبق وتترجم بلغة التوظيف والربح وتضييق الخناق على الخصم بنية مبيتة؟
ديدي نجيب