لم يكن مشروع التحالف الوطني الديمقراطي وليد صدفة أو ردة فعل آنية كما روج البعض, أو محاولة بائسة للارتباط والارتماء في أحضان السلطة بأي ثمن كما حاول آخرون, ولقد تلقي الحزب الكثير من سهام التجريح والقدح والتشكيك التي يعجز هذا المقال عن اجترارها (ولو للتاريخ) فهي معروفة ومدادها حديث عهد لكنها سرعان ما تهاوت لأول وهلة أمام أول أختبار
ولقد كنا على يقين راسخ لا يعتريه أي شك في وجاهة مشروعنا الحزبي كخيار استراتيجي لموريتانيا متجانسة ومتطورة وحديثة وعادلة ومتصالحة مع ماضيها ,وذلك انطلاقا من العديد من المعطيات التي يتعلق بعضها بالقيادة المؤسسة للحزب وقيمتها ورصيدها العلمي والعملي والأخلاقي وتاريخها النضالي, في حين يتعلق بعضها بوجاهة وعمق البرنامج الحزبي للتحالف الوطني الديمقراطي في معالجة وملامسة الهم اليومي للمواطن وطرح الحلول الناجعة لمختلف الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية , أما المعطى الثالث فيتمحور حول طبيعة الكتلة المنتسبة والمؤمنة بالحزب وهي كتلة وبدون مبالغة يندر وجودها في أي تشكيلة سياسية في بلادنا , لما تتسم به من تنوع يعكس تنوع الجغرافيا الوطنية,ولما تضمه من كفاءات شبابية وأطر من الدكاترة والمهندسين والجامعيين وأصحاب الخبرة والمؤمنين الصادقين بموريتانيا ’ وهو ما منح الحزب ديناميكية خلال الانتخابات عز نظيرها وانعكست بشكل ايجابي على نتيجة الحزب خلال الانتخابات متجاوزا أحزابا عريقة,مما جعل الكثير من المراقبين والخصوم السياسيين يحاولون فهم الطريقة التي حقق بها الحزب هذا الفرق والإنجاز ؟
وللتفصيل أكثر وفهم سياقات ومسار هذا الفرق الذي حققه حزبنا يمكن الإحالة للعوامل التالية :
القيادة السياسية المؤسسة للحزب: تلعب شخصية القائد الرئيس الدكتور يعقوب ولد أمين والقيم التي يؤمن بها وإحساسه بالحاجات والتوقعات دوراً هاماً ,كما أن قدرته الاستيعابية النابعة من رصيده السياسي وتجربته الثرية و المصداقية التي اكتسبها ومنحها له الشعب تجعله يدرك المواقف المتشعبة والمتداخلة وخلق الحلول الكفيلة بتجاوزها بكل حكمة وجدارة , ويعتمد الوعي الشخصي لقيادة حزب التحالف الوطني الديمقراطي على عناصر تشكل بمجموعها الوعي الشخصي للقيادة وتساعدها على إدراك ما حولها والتعامل معه بفعالية سواء تعلق الأمر بالشخصية ,أو القيم أو الحاجات والتوقعات ,أوالاستيعاب العقلي.
تماما كما قال ابن خلدون(على القائد السياسي أن يكون القدوة للآخرين، بأن يحترم الأخلاق الفاضلة ويدافع عن الحق، وعليه أن يتعامل بحكمة واعتدال مع غيره)بل إن قيادتنا الحزبية قد تمثلت بشكل كامل وصية الماوردي في كتابه درر السلوك التى يدعوا فيها إلى ضرورة أن يتمثل السياسي خصال الصدق في مقاله وعمله .
عمق ووجاهة البرنامج السياسي لحزب التحالف الوطني الديمقراطي: كما ذكرنا في ديباجة وتوطئة برنامج حزبنا فإننا نطمح من خلاله إلى :( ...ويطمح الحزب في ظل هذه المرحلة السياسية الفارقة كذلك إلى أن يشكل هذا البرنامج أرضية تلتقي عندها رؤى ومقاربات القوى الوطنية بتنوع مشاربها ومقارباتها، التزاما من الحزب بمبادئه ومنطلقاته، التي تعتبر أن عملية الإصلاح هي جهد جماعي مشترك، يشارك فيه كل من موقعه، وليست عملا يقوم به فرد أو نخبة بعينها، كما تعتبر البناء الديمقراطي ثمرة شراكة فعالة مع مختلف الفاعلين الوطنيين، الذين يتقاسمون هموم تكريس وتعزيز مسار الإصلاح والديمقراطية ببلادنا).
وقد حاول الحزب أن يوفق في برنامجه هذا قدر الإمكان بين أهمية تشخيص الواقع الموريتاني تشخيصا دقيقا موضوعيا مع ضرورة مراعاة الخصوصية المحلية عند اقتراح الحلول من جهة، وبين حتمية الانفتاح على الخبرات والتجارب والممارسات الدولية الرائدة من جهة أخرى والبرنامج السياسي الذي يقترح الحزب يدور حول أربعة محاور رئيسية تتكامل فيما بينها، وهذه المحاور هي على التوالي : المحور السياسي والقانوني والمحور الاقتصادي والمحور الاجتماعي والمحور الثقافي.
إننا في حزب التحالف الوطني الديمقراطي نعتمد الحوار منهجا للتعاطي مع الخلافات السياسية وإيجاد الحلول المناسبة لها، سعيا منا للخروج من الثنائية العقيمة التي طبعت المشهد السياسي منذ بداية المسار الديمقراطي وحتى اليوم، والتي تصور المعارض حاقدا والموالي متزلفا، بحيث شكلت حجر عثرة في سبيل الوصول لحياة ديمقراطية سليمة، وأدت لإهدار طاقات، وتضييع فرص، كان يمكن استثمارها لحل المشاكل البنيوية للبلد، من فقر وبطالة، وغياب للبنية التحتية، وضعف للتغطية التعليمية والصحية.
وقد شكل غياب الحوار و سيادة ثقافة التصادم المبنية على اعتبار المعارض محروما مهما كانت كفاءته، والموالي صاحب حظوة ولو كان عديم المؤهلات، أساسا لخلق جو من انعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين.
وانطلاقا من إدراك الحزب للوضعية السابقة فإنه يسعى إلى بناء دولة مستقلة، تقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية التعددية، واحترام القانون ومبدأ الفصل بين السلطات، وضمان حماية الحريات العامة الفردية والجماعية، وترسيخ دولة القانون، وإلى النهوض بالاقتصاد الوطني إلى ركب الدول المتقدمة والمزدهرة، كما يسعى الحزب إلى خلق جو من التعايش السلمي والؤئام الاجتماعي وإلى تقوية الوحدة الوطنية وتعضيدها .
هذا البرنامج الحزبي المتكامل الذي يعبر عن رؤية عميقة للواقع الوطني بمختلف درجاته وتشكلاته يعتبر مثابة ومنارة وواقعا (وشعارا) يستطيع العبور بموريتانيا لآفاق من الرقي والتطور ليضع لها راية بين الأمم والشعوب المتطورة ومكانة بارزة تحت الشمس.
إننا في حزب التحالف الوطني الديمقراطي لا نستنكف عن التعاون مع الشركاء الجادين في الوطن , ونعتبر أنه بدون الشراكة لن نستطيع تحقيق مآربنا الطموحة.
وفي هذه اللحظة الفارقة وبعد القراءة الجادة لمسار الأحداث فإننا نقدم دعوة صادقة لكل المواطنين للالتحاق بمشروعنا الوطني القائم على ثوابت ودعائم قوية سواء ما تعلق منها بشخصية القيادة ورصيدها التاريخي والمعرفي , أو تعلق بالكتلة الحزبية الثرية بتنوعها وحيويتها ومعرفتها , أو تعلق بالبرنامج الحزبي الشامل في طرحه ورؤيته وحلوله.
د/عبدا لله محمد بمب