كرة القدم رياضة نعتادها كثيرا في أيام الفراغ التي تزودنا بها الحياة، لكنها ليست ككل لعبة إنها لعبة الجهاد والتضحية والقوة وليست مرتعا للمترفين ولا مسرحا للمرح ولا باحة للراغبين في اللهو والضحك !
إنها نظام من القواعد يتطلب جملة من الشروط والأركان و بدونها تخرج اللعبة عن حقيقتها وتفقد وزنها الثقافي وقيمتها العالمية.
لم يقصد الأوربيون أيام صنعوا كرة من الجلود أن يعبثوا بأجسامهم ولا أن يهدروا طاقتهم ولا أن يفرضوا على أنفسهم مهلكة خالدة، ولا أن يعرضوا أجيالهم المستقبلية للموت والدمار عبر لعبة مليئة بالأحداث المرعبة والحركات المميتة، وإنما وضعوا لهم لعبة ذكية تزاوج بين ثنائية العقل والقدرة الجسمية، لتنتج من ذلك مزيجا يروض النفس ويبعدها عن دوامة الحياة الكريهة ويدخل الجسم تحدّ جديد يريه حقيقة بنيته وهل فعلا ما يتمتع به من قدرات هو طاقة تضاف لقدراته العقلية أم أنها مجرد ورم يثقل كاهله ويملأ عين الناظر لبنيته ؟
فعلا لقد صنع أهل الحضارة من هذه اللعبة متعة تشدنا للحياة وتبعث فينا نشوة كنا نفقدها وتنمي في عقولنا تصورات جميلة كنا نجهلها عن الجسم والطاقة البدنية وترحل بنا بعيدا حتى نصل لمستوى من التعصب لهذه اللعبة الجميلة والعزيزة حتى أصبحنا نحب المتميزين من أصحابها ونعرفهم بالإضطرار وندافع عنهم بكل شراسة وعن ألونهم وشعاراتهم وكأننا نقاسمهم الصفة والعَلم، وحتى تتأكد حين تستمع لأحدنا يتحدث عن أحد هؤلاء كأنه يحدثك عن أحد أهله أو أحد أفراد أسرته بكل تفصيل، فقد أصبحت كرة القدم اليوم ضرورة نفتقدها في حياتنا اليومية، وجزءا من الحياة الثقافية لإنسان الحاضر الذي يعيش حاضره.
ليست كرة القدم شكلا كرويا يصنع من الجلود أحيانا ومن المطاط أحيانا اخرى ويملأه الهواء، يتنقل بالضربات من مكان لآخر، لكنها عالم عظيم يخرجنا من بؤرة الحزن وكثافة الحياة .
وتبلغ كرة القدم اليوم أعلى متعتها حين تصل مسابقة دوري أبطال أوروبا للربع النهائي حينها نشعر فعلا بأهمية الغرب في حياتنا وأننا نتعلق بهم في سعادتنا البسيطة، وليس ذلك سوى مظهر واحد من مظاهر ذلك التعلق الدائم الذي يفرضه واقع الحياة اليوم والذي يساير كل لحظات الدنيا .
ولا غرابة في تفوق الغرب علينا حتى في تقليدنا فهم أدرى الناس بما يحتاج للجهد والجد! ليس لأنهم ملكوا المادة ولا لأنهم في بيئة جميلة ، ولكنهم آمنوا بالتجربة وعاشوا الحياة بلا عدم كل لحظة تنفسوها بهدوء ، لم يغادروا مكانا ولا زمانا إلا بدقة متناهية، لا خطوة في غير مكانها ولا فراغا تركوا لغير ما جعل له أصلا. قل أنهم أهل هذه وخلاك ذم.
ولكننا وللأسف لا نبحث في الغالب إلاّ عن المثالب والثغرات! عن النقص في الحادث وذلك يسير هين أقرب من اليد للفم، فلماذا لا ننظر الجانب المنير وننتقي لحياتنا أجزاءا من تلك الحضارة الراقية التي تسهر على رعايتنا في المنام واليقظة، تهدينا المتعة والسعادة والشغل عن الهم وتهبنا معان جديدة للحياة ولأنفسنا حتى نسير على هدى من أمرنا في ثغور البسيطة.