مطالبة بوضع حدود للحرية قبل أن تموت ..

 تعيش الساحة الاعلامية والسياسية اليوم حالة من الفوضى بسبب انتهاز حرية التعبير المفتوحة للجميع، الأمر الذي أصبح يفسد معنى الحرية ويقلب قيمتها وينفي ما تحقق من حرية خلال الفترة الأخيرة.

وأصبح لزاما على السلطات اليوم أن تضع حدود صارمة للحرية تجنب القائمين في منصات التواصل وفي الوسائل الاعلامية الوقوع في أعراض الناس ونعت رموز الوطن بما لاييلق، فما أصبحت تجنيه علينا هذه الفوضى العارمة سيؤدي بنا إلى متاهات تفقدنا السيطرة على ما نعيشه من حرية، وهي مكتسب عظيم لا يتحقق في كل دولة.

إن ما يدعوني لقول كل هذا أن ما يتم تناوله في القنوات الإعلامية المحلية ليس من الحرية ولا الديمقراطية في شيء، حيث إن كثرة الحرية تؤدي للفوضى وتقتل الحرية كما يقال.

فالحرية هبة ومكسب كبير ويحتاج استخدامه لوجود شعب واعي وعلى اطلاع بواقع وأبعاده الاجتماعية ومتطلع إلى آفاق السياسة التي يعمل وفقها.

إننا نحتاج  اليوم أكثر من أي وقت مضى لوضع حدود للحرية التي باتت على وشك أن تضعنا في مأزق وفي أزمة كارثية لا تفك فتلتها بسهولة، فبدون وضع حدود ومفاهيم وقواعد للحرية في الإعلام وفي السياسة فإننا سنحتاج لردع الفضويين قبل أن تنزل النخبة إلى العامة ويغدو الجميع كقطيع بلا راع.

إن اللوم في هذه الفوضى ليس على عاتق الاعلام فقط؛ بل إن السياسيين مشاركين فيه بنسبة كبيرة وهم من يصنع الاعلام ويداوله، كما أن الدولة نفسها مشاركة وتقع عليها مسؤولية ما ينتشر من فوضى في الاعلام وفي السياسة.

إن تجريد الأشخاص وعيبهم كما شاهدت في التلفازات ونعت رموز البلد بما لا يليق بمقامهم في وسائل التواصل والإعلام وفي المطارحات السياسية ليس في دولة من دول العالم، فالقانون يمنعه وتأباه الاخلاق والقيم التليدة لمجتمعنا المسلم المسالم، وحتى انك تسمع رئيس حزب يقول في رئيس الجمهورية كلاما يتجاوز الجرأة والاحتقار، دون أي تعليق من طرف مقدمي البرنامج، وهو أمر خاطئ وصمت سيء يتحمل المقدم عبأه، فالمقدم مسؤول عن سقطات ضيفه وخروجه على النص الخلقي للمجتمع.

وهنا أشير إلى إن احترام الرموز الوطنية أولوية من أولويات الحرية، وليست رمزية الشخصيات الوطنية حكرا على الموالاة دون المعارضة، فيجب احترام الشخصيات المعارضة كذلك.

وليكن في علم الجميع أن رجال الاعمال لا يبحثون عن غير الربح ، ولن يقدموا أي حرية للبلد، فمن يظن أن تلفزة أهل غدة أو اهل ودادي أوقناة المرابطون المحسوبة على حزب سياسي، يمكن أن تقدم لنا ديمقراطية أو حرية فهو واهم، وما تمنحه هذه "الحلبات" من فرص للفوضى أخطر علينا من جميع ما نخاف، وليست تلفزة الموريتانية، بأحسن حال من مثيلاتها، وإن كانت قناة شنقيط أقرب للاستثناء فرغم أنها مملوكة لشخص ضعيف ماديا لديه طموح إعلامي، إلا أنها أقل خطأ من غيرها.

إن خطأ القنوات الإعلامية هو منحهم الفرصة لكل من هب ودب لقول ما يريد إلى جانب الثورة التكنلوجية التي أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت هي الأخرى في متناول الجميع لقول ما يشاء لمن يشاء.

يجب على الروابط الاعلامية والنقابات الصحفية، والسياسين ورؤساء الأحزاب أن تبحث في وضع حدود تمنع تجريح الأشخاص في الاعلام ويتم سجن كل من يعرض بمواطن أو يمس من عرض أحد رموز الوطن ويتم ذلك على الملأ وفق قوانين صارمة، تطبق على الجميع بدء بصاحب المقال الذي يعترف على نفسه بالخطأ، وليس سوى شخص يصيب ويخطأ.

وأرجو في الأخير أن تشارك الدولة هي الأخرى في الوقوف في وجه موجة الفوضى التي تزداد خريطتها كل يوم، وأن تسرع بوضع حدود قانونية صارمة لما نملكه من الحرية، حتى يتم توظيفها فيما يعود علينا بالنفع لا أن ترمي بنا في بحر متلاطم من الفوضى لا يخرج منه إلا جريح أو قتيل.

 

محمد سالم ولد هيبه

خميس, 28/03/2019 - 15:08

          ​