لا تتناول التحليلات هذه الأيام في موريتانيا شيئاً أكثر من حديثها عن “احتمال حدوث شوط ثان في الانتخابات الرئاسية المقبلة”، التي يتبارى فيها ستة مرشحون، هم محمد ولد العزواني (العسكري السابق، المحسوب على نظام ولد عبد العزيز) و الذي يحظى بدعم جميع أحزاب الأغلبية و القوى التقليدية التي تعودت الدوران مع الأنظمة حيث دارت، كما يتهم من طرف معارضيه باستغلال وسائل الدولة و مواردها لجلب الدعم له، و سيدي محمد ولد بوبكر التكنوقراطي الشاب الذي عيّنه ولد الطائع وزيرا مالية ثم وزيراً أول، ليقود الحكومة كذلك خلال حكم اعل ولد محمد فال. و محمد ولد مولود رمز النضال اليساري الكادح، و أيقونة الرفض و المعارضة من أجل تحقيق الديمقراطية و العدالة، و بيرام ولد الداه ولد اعبيدي الناشط الحقوقي الذي يترشح للمرة الثانية للرئاسيات، و كان حاميدو بابا السياسي و التكنوقراط، الذي انتقل من حزب ولد داداه لمساندة انقلاب ولد عبد العزيز، و هو الآن مرشح الأحزاب و الحركات الزنجية الموريتانية، التي طالما طالبت بحقها في “العيش المشترك” الذي لن يكون بغير تقاسم السلطة و الثروة بين مكونات الشعب الموريتاني. أما ولد الوافي فهو شاب يقدم نفسه على أنه “تكنوقراط” غير أنه ليس معروفا إطلاقاً لدى الناخب الموريتاني.
المرشح الأوفر حظاً في الفوز هو محمد ولد الغزواني الذي يحظى بدعم الدولة و المؤسسة العسكرية بمختلف أجهزتها و هيئاتها، و بدعم شيوخ القبائل و وجهائها و شيوخ الطرق الصوفية و رجال الأعمال. و الذي ينحدر من المناطق الشرقية (الحوضين) التي تستولي على 10,69% من ناخبي البلاد المسجلين، حسب إحصاءات اللجنة المستقلة للانتخابات. و يتوقع أن يحظى بدعم شبه مطبق فيها.
أما من يمكن أن يعتبر تاليا له في حظوظه بالفوز فهو سيدي محمد ولد بوبكر الذي يحظى بدعم التيار الإسلامي الحاصل على 16 نائبا من أصل 157 نائبا برلمانيا، في مقابل 122 برلمانيا للأغلبية الداعمة لولد الغزواني، و التي ازدادت بنائبين من حزب “عادل” أعلنا دعمها لمرشح النظام.
أما البراكنة التي ينحدر منها ولد بوبكر فتبلغ نسبة المسجلين فيها على اللائحة الانتخابية 9,58% غير أن أغلب سياسييها الوازنين، و وجهائها التقليدين أعلنوا دعمهم لولد الغزواني. و هو ما تم بالفعل في جارتها الترارزة التي تبلغ نسبة مسجليها 12,09%، و التي كادت أن تعلن “بيعتها في المنشط و المكره” للمرشح غزواني.
أما ولد مولود الذي يعوّل كثيراً على دعم التكتل الذي أصبح أشلاء حزب خائر منهك القوى، يعاني نزيفاً يوميا في الانسحابات، فلن يستطيع أن يقدم لولد مولود ما عجز عن تقديمه لولد داداه. و هكذا الضفة التي ينافسه فيها بيرام و كان حاميدو بابا بضراوة.
و هكذا سيكابد بيرام ولد الداه منافسة محتدمة في مراكز قوته في الضفة، من خلال منافسيه فيها: كان و مولود. هذا مع أن ناخبي كورغل و كيدي ماغا لم يتجاوزوا 11,76% في اللائحة الانتخابية.
كانت نواكشوظ و نواذيبو في السابق معقلين من معاقل المعارضة، و هو ما تغير منذ وصول ولد عبد العزيز للسلطة، حيث أصبحت الغلبة فيها دائما للموالاة، و إن لم يكن الأمر بفارق كبير جدا. و قد بلغت نسبة المسجلين في نواكشوط 24,44%. و في نواذيبو 4,72%.
أما بقية الولايات فالظاهر عدم تمكن مرشح آخر من منافسة ولد الغزواني فيها.
يعتقد عبد الله ولد اتفاغ المختار (صحفي يدعم المرشح ولد الغزواني) ” أن الحديث عن احتمال دور ثان في الانتخابات الرئاسية القادمة ليس له ما يبرره من واقع التنافس، ان لم يكن دعاية مغرضة لطرف بعينه” حسب تعبير ولد اتفاغ المختار.
و أضاف “أن هناك من يبحث جاهدا عن أي أمارة من أمارات الدور الثاني، و عندما اعجزه الحصول عليها، طفق يبرر إمكانية حدوثه بوفرة المترشحين، متناسيا انهم لا ينافسون ولد الغزواني بقدر ما يتنافسون على بقايا قواعد المعارضة، سواء الأيديولوجي منها او الشرائحي العرقي”.
و يرى محلل آخر فضل عدم ذكر اسمه أنه ” عند النظر إلى الوضعية السياسية الحالية فإن المؤشرات القائمة لا تدل على التوجه لدور ثان في الرئاسيات المقبلة، حيث أن البلاد بقضها و قضيضها اتجهت لدعم مرشح النظام، الذي وفرت الدولة كل وسائلها و آلياتها لدعمه، غير أن الأمور يمكنها أن تتغير عندما تبدأ الحملة الانتخابية و يقدم كل مرشح برنامجه، و يبدأ في أنشطته التعبوية، و تظهر حينها إمكانيات المرشحين الخطابية و المادية، و تبدأ التناقضات التي لا يزال معتّماً عليها في صفوف الأغلبية في الظهور، كما ينكشف التذمر و مظاهر عدم الرضا، عندها فإن الوضع قد يتغير و يتجه لما يرجح دورا ثانياً، إذا قام مرشحو المعارضة (بوبكر، و مولود، و بيرام) بإعداد جيد و خطاب محكم و توفروا على إمكانيات مجزية” مضيفاً أن “ما يحدث الآن من دعم مجموعات صغيرة و انفصال بعض الشخصيات الاعتبارية عن الأغلبية و إعلانها دعم مرشح للمعارضة قد يساعد في توسيع الشقة بين مكونات الأغلبية، مما قد يهيء أن توفرت الشروط السابقة لدور ثان”.