في موريتانيا، الطلاق ليس عيباً، وهو ما يؤدي إلى إقدام عدد كبير من الموريتانيين على إعادة تجربة الزواج.
والرجل كما المرأة يخوضانها، مع اختلاف بسيط هو أن الرجل قد يتزوج للمرة الثانية بعد فترة قصيرة من طلاقه، بينما تتريّث المرأة إلى أن تستقر أوضاعها، لا سيّما إذا كانت قد أنجبت من زواجها الأول، وتحرص على حسن اختيار الشريك الجديد لبدء حياة زوجية جديدة يتقبّلها أطفالها.
والطلاق هنا ليس نهاية لحياة المرأة، كما هي الحال في بعض البلدان العربية. ففرص زواج المطلقة مرتفعة، ما يتيح لها إعادة التجربة.
ويشجّع المجتمع والمحيط العائلي المرأة على الزواج للمرة الثانية، لتعويض فشل التجربة الأولى. والسبب الرئيسي لتشجيع المجتمع الموريتاني المرأة على دخول "القفص الذهبي" مرة جديدة، يعود إلى اقتناعه بأن الطلاق لا ينتقص من قيمتها كزوجة وقدرتها على النجاح في الزواج. والعادات المتوارثة، كرّسته ثقافة اجتماعية.
كذلك فإن التسرّع في الزواج الأول وتدخّل الأهل في اختيار الشريك، يبرران إلى حدّ كبير فشل الأول ويدفعان باتجاه التعلّم من الأخطاء السابقة.
ويرى خبراء علم الاجتماع أن مبررات انتشار الطلاق في المجتمع الموريتاني هي أسباب رئيسية ومقنعة لانتشار الزواج الثاني. بالنسبة إليهم، لتأثير العادات الاجتماعية وقع السّحر على تشجيع المرأة ودفعها إلى إعادة التجربة.
وبقدر ما لهذه العادات من تأثير سلبي على الاستقرار الأسري لأنها تشجّع المرأة على الانفصال وطلب الطلاق وهجر بيت الزوجية، بقدر ما تساعد الموريتانيين، بخاصة النساء منهم، على نسيان التجربة الأولى والبحث عن حياة جديدة.
ويقول الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد الغوث إن التأثير الإيجابي للعادات الاجتماعية يساعد كثيراً الموريتانيين على تجاوز فشلهم، إذ تأتي تلك العادات بمثابة علاج نفسي واجتماعي لمَن فشل في الزواج الأول. وانطلاقاً من تجربته وعمله الميداني، يرى الباحث أن الزواج الثاني أكثر استقراراً من الأول.
ويوضح أن "معظم الموريتانيين يتزوجون في المرة الأولى في سن صغيرة ويُقدِمون على هذه الخطوة استجابة لرغبة العائلة، إذ يكون اختيار الشريك وتجهيز بيت الزوجية من اختصاص الأهل. وهذا ما يؤدي بالزواج إلى الفشل. لكن بعد إعادة التجربة، يكون الزوجان قد خبرا الحياة الزوجية وكيفية التعامل مع الآخر وإدارة العلاقة بشكل أفضل".
وبحسب إحصائيات الوزارة المكلّفة بشؤون المرأة، تبلغ نسبة المطلقات اللواتي تزوجن بعد طلاقهن الأول 70.5 في المائة، في حين تزوجت 20 في المائة من المطلقات بعد طلاقهن الثاني، وأقدمت 7.9 في المائة من النساء على الزواج للمرة الرابعة بعد ثلاث زيجات. أما نسبة النساء اللواتي تزوجن خمس مرات أو أكثر، فتصل إلى 1.6 في المائة.
وتشير منظمات أهلية إلى أن هذه النسب لا تعكس حقيقة وضع المطلقات، لأنهن يُقبلن على الزواج بنسبٍ أعلى من نتائج هذه الإحصائيات، وأحياناً يتزوجن عرفياً أو بالسرّ، ما يجعل عدد الموريتانيات اللواتي يُقبلن على الزواج بعد طلاقهن مرتفعاً جداً مقارنة بالإحصائيات.
ويرافق انتشار الزواج للمرة الثانية إقبال كبير من قبل الرجال على الزواج من مطلقات، خلافاً لما هي الحال في مجتمعات أخرى حيث يسجل نفور من المرأة المطلقة.
وتشير إحصائيات رسمية إلى أن نسبة الطلاق في موريتانيا بلغت 38.5 في المائة، بينما تؤكد منظمات أهلية مستقلة أنها تتجاوز 44 في المائة. وبذلك تسجل موريتانيا النسب الأعلى عربياً في "الإخفاق العائلي".
وفي مقابل ارتفاع نسبة الطلاق، تسجل نسبة الزواج الثاني أيضاً ارتفاعاً بين الموريتانيين، فيقلل ذلك من تأثيرات وتداعيات الإخفاق العائلي الأول الذي وصل إلى مستويات قياسية. وتشير الناشطة الحقوقية مريم بنت سيدي محمود إلى أن الإقبال على تكرار تجربة الزواج يعالج إلى حد ما آثار الطلاق المرتفع في المجتمع الموريتاني.
تضيف أن "نسبة النساء اللواتي يتزوجن للمرة الرابعة والخامسة والسادسة مرتفعة في موريتانيا وتقدّر بنحو عشرة في المئة من مجموع المطلقات". وتلفت إلى أن بعض النساء يتفاخرن في مجالسهن بعدد زيجاتهن وقدرتهن على جذب المزيد من الأزواج.
وخلافاً للوضع في معظم المجتمعات العربية، فإن الموريتانيات لا يحزن على طلاقهن وغالباً ما يتزوجن مباشرة بعد انتهاء العدّة. وتشرح محمود الأمر بأن المرأة في موريتانيا تتمتع بحرية الطلاق والزواج مرات عدة، طالما أنها اختارت مَن يناسب وسطها العائلي.
العربي الجديد