من المتفق عليه في مبادئ علوم الاستعراف أن الزاوية التي يتم من خلالها النظر إلى الأشياء تختلف من شخص لآخر، لكن ذلك الاختلاف لا يصل لحد التعارض و التناقض في الوصف والتصنيف، بل ويجب أن يبقى بمعزل عن هوى النفس وذوق الانسان وميوله السياسي.
فما قولكم عندما ينظر رجلان إلى سيارة تسير ويقول أحدهما في وصفه لها أنه رأى سربا من القطا، و يحدث الآخر قومه أنه رأى ناقة ترضع ولدها في حين أنهما يشاهدان سيارة تسير في الطريق، هل هما مصابان بالعمى ؟ أم أنهما يحسنان الكذب والتقول بالبهتان؟ أم لهما هدف مخفي ومغزى داكن لا يخدمه الصدق ولا تكشفه العبارة...؟
هذا تماما وباختصار هو ما يحدث حين يكتب كاتب ما أو يصور مصور ما أ ويتحدث متحدث ما على جهاز إعلامي فيخلق في ذهن القارئ أو المشاهد أو القارئ صورة مخالفة لما وقع في مهرجان أو حفل رسمي حضره الآلاف من البشر ويحكون بلسان واحد كل ماحدث فيه وبالتفصيل؟
وما عليك إلا أن تحضر أحد المهرجنات المعتبرة وطنيا أو تحضر أية تظاهرة يدعى لها الاعلام، وتتابع ما نقلت وسائل الاعلام عن تلك التظاهرة أو ذلك المهرجان فإنه سيملأك العجب وتستولي عليك الدهشة بقوة، حتى تراجع نفسك متسائلا هل ما كتب وما نقل في الاعلام هو عن ذلك الذي حضرت أم أنه عن حدث آخر ؟ أم أن ذلك شيئ وهذا شيئ آخر؟
أيها الكاتب والمصور والمتحدث قد نتجاوز لك أن ما يلفت انتباهك كإنسان قد لا تتحكم فيه فهو لا إرادي وليس بالقصد ..ولكن أن تقصد بملء إرادتك أن تركز على أشياء عابرة ومستثناة عرضية ولا تمت بصلة لما يحدث حولك وتصفها بأنها الحدث الجلل من بين الوقائع الكبرى في الواقع الذي تنقل عنه، قصد نية مبية فأنت حينها في طريقك نحو الثأر لمصالحك ومآربك الشخصية لا غير.
سماؤنا وأرضنا وصحراؤنا جميعها مقسمة لنصفين "نصف مؤيد" ونصف معارض" ، جميعنا نتنفس سياسة ونتحدث سياسة، ونفسر جميع ظواهر الكون والطبيعة والفلك والرياضة وأصوات الأمعاء في البطن وندرة السمك في السوق وارتفاع درجات الحرارة وضعف "ريزو" بالسياسة، كل شيئ ينقسم في أذهاننا إلى شطرين حتى الصمت هنا نصفان، صمت معارض وصمت مع النظام مؤيد ......
إن هذه الأحداث والوقائع التي تنقل إلينا عن طريق الصوت والصورة هي أمانة ويجب أن تراعا فيها حدود الأمانة وأن لا تسقط في سبيل الأنانية والحظ والمصلحة الضيقة، ويجب أن يحترم فيها أفق المتلقي، فنحن كجمهور متلقي ولدينا تأثر بما ينقل إلينا بالصوت والصورة أو بالكلمات سنظل نحترم ونقدر ونؤمن بما يصلنا عن طريق الصوت والصورة والكلمة مادامت ذكاته على الطريقة الصحيحة، أما حين نقف على حقيقة ما ينقل إلينا ونعرف مصدره الأساسي وأن ذكاته مشبوهة وإنما انتزعت روحه بالصعق الكهربائي أو غيره من وسائل ازهاق الروح ، فلن نأكله بعدها وسنبحث عن غذاء غيره يخدم صحتنا وأجسامنا الضعيفة.
ديدي نجيب