أيها الداخل مصر مهلاً، هنا ألف من نوعك! كان ذلك قبل قرون خلت، وأما اليوم فإن هنا ملايين من نوعك!
كن كما تشاء، لكن إياك أن تخال نفسَك مختلفاً أو وحيداً، فأنت هنا واحد من كثيرين، وإن كنت لا تصدق، فأرسلْ في المدائن حاشرين، يأتوك بكل شبيه مماثل مطابق، أو لنقل يأتوك بك، لتعلم أن هنا في مصر دولة منك!
كن عالماً تجدْ علماء كثيرين مثلك، أو كن جاهلاً تلقَ الجاهلين من الملايين مثلك، كن موطأ الأكناف، حسَن الخلق، كيّساً، لطيفاً، مؤدباً، تلفَ الملايين مثلك، أو كن فظاً غليظَ القلب، جهولاً، جلفاً، سمجاً عكراً، ترَ ملايين آخرين مثلك!
هنا حيث طلب يوسف عليه السلام الحكمَ والإمارة فقال: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم"، وتواضع لربه قائلاً "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم".
وهنا تجبّر فرعون فنادى في قومه: "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي"، بل طغى وغوى فقال: "أنا ربكم الأعلى"!
هنا الأهرام الشاهقة الصامدة في أرض الكنانة، يقرأ القارئ -كما الأمي- في واجهاتها صفحات التاريخ التي ترويها ناصعة في كتاب مكين!
هنا يمكنك أن تتنفس عبيرَ الحضارة، وتشم رائحة التاريخ، وتعيش تراث الأمم التي خلت، وترى تنوعها، وتفهم سر اختلافها!
هنا تقرأ لنجيب محفوظ أجمل وأبرع ما جاد به القلم، وهنا تسمع من حنجرة كوكب الشرق أم كلثوم ومن العندليب الأسمر عبد الحليم ما جادا به من عذب الغناء، شدواً شهياً سائغاً للذائقين!
هنا نهر النيل العظيم، وما أدراك ما النيل؟ ذلك النهر الذي شهد على ميلاد الحضارة الإنسانية الأولى في التاريخ!
هنا في مصر، حيث يمكننا أن نستعير وصف الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي؛ فنقول إن فيها "الزنج والإفرنج والقفجاق والسقلاب والتاتار والأتراك والنساك أهل الله والهلاك... فيها كل من وطئ الثرى"؛ بما فيهم العرب الذين استثناهم الشاعر في قصيدته لغرض مختلف!
هنا باختصار، أم الدنيا وأبوها، وأختها وأخوها، وعمتها وعمها، وخالتها وخالها، وابنتها وابنها، وأهلها وذووها، وفصيلتها التي تأويها!
هنا في مصر، قدّم المرابطون أوراق اعتمادهم الأولى سفراء فوق العادة، وبكامل السلطة، لتمثيل الأمة الموريتانية المجيدة بين الأمم الإفريقية الكروية الكبرى!
لا أحد بعد اليوم سيجهل موريتانيا كروياً، ولا أحد سينظر إليها بعين الدونية أو الاستهزاء!
هنا في أم الدنيا لم تكن المشاركة الأولى للمنتخب الوطني مجرد مشاركة، ولم تكن قيمتها مرتبطة فقط بالنتائج، بل كان حضورها نقطة تحول شكّلت محطة فاصلة بين عهدين، بين عهد يسألك السائل من العالمين؛ هل موريتانيا دولة؟ هل تتحدثون اللغة العربية؟! إلى عهد يعرف فيه الجميع أن موريتانيا دولة، يحترمها الكل ويثني عليها، عهد يتصدر فيه سباق الهاشتاغات بين ثلاثمائة مليون عربي هاشتاغ #موريتانيا_دولة_عربية_يامدحت!
ودعاً أم الدنيا.. وشكراً أيها المرابطون!