"التبراع" غزل نسائي بالرجل.. يخرج من السر إلى العلن

لم يعد تغزّل النساء بالرجال عبر ما يُعرف بشعر "التبراع" في المجتمع الصحراوي المغربي ينشد في الخفاء خلف مطاوي الرمال، وفي مجالس وأجواء خاصة تطبعها السرية، الشيء الذي كان يصعب معه معرفة قائلة هذا الشعر، فالآن صار بإمكان الشاعرات أن يعبرن عن عشق الرجال دون حجاب.

 

 

ولتحرير شعر "التبراع" الراسخ في الأدب الحساني من سلطة الرقابة تأسست جمعية بمدينة السمارة (جنوب المغرب)، بهدف رد الاعتبار لهذا الغرض الشعري الذي يشكل جزءاً من الثقافة الحسانية، "نسبة إلى أولاد حسان، وتطلق الحسانية أيضاً على لغة عرب صحراء شمال إفريقيا".

 

ويقول إبراهيم الحسين، الباحث في الثقافة الحسانية، في تصريح لـ"العربية نت"، إن شعر "التبراع"، وهو كلام شعري منظوم تبدعه النساء الحسَّانيات تغزُّلاً في الرجال وبعيداً عن أعينهم.

ويشير الحسين إلى أن شعر "التبراع" يتميز بالاقتضاب والكثافة والقصر، ويكون دائماً من دون قوافٍ إجبارية، لكن مع صرامة في التقطيع الداخلي، كما يمتاز بالوضوح والبساطة التي لا تخلو من صور بلاغية.

 

وقدّم الحسين بعض النماذج من شعر التبراع، حيث تقول إحداهن معبِّرة عن افتتانها بجمال ابتسامة عشيقها ومحبوبها وتعتبرها آسرةً وغاية في الإغراء، وأن إبليس بنى خيمته في هذه الابتسامة واستقر بها: عَنْــدُ تَبْـسِيمَ بَانِي فِيهَ ابْلِيسْ خْوَيْمَ

وهذه أخرى انشغلت بغياب عشيقها الذي اعتادت على رؤيته بشكل يومي، فراحت تنشد: البَـارَحْ مَ جَـانَ وَاللَّيْلَ فِيهَ مُـولاَنَ

بخلاف أخرى سعدت كثيراً بعودة حبيبها لها: وَمْجِــــيهْ لْبَــارَحْ فَرْحُ بِيهْ اسْبَعْ اجْوَارَحْ

ويؤكد إبراهيم الحسين أن شعر "التبراع" يتقاطع إلى حد ما مع الشعر الشفوي لنساء "البشْتُون" الأفغانيات المعروف باسم اللاَّنْدَاي Landay، وهو ما تؤكده أيضاً العالية ماء العينين الباحثة الصحراوية في أطروحة لها حول الموضوع نفسه، ضمنته قصائد مذهلة من هذا الشعر، الذي تقول بعض أبياته: "إذا مات حبيبي لأكن كفنه

هكذا نتزوج الرماد معا…

أما النساء العاشقات في "التبراع" أي الشعر النسائي الحساني، فتقول : أُ لا يَكْدَرْ يَنْعـافْ لَخْظارْ فْعيمانْ الجفافْ

 

ومعنى البيت بالمعنى الفصيح - حسب ماء العينين - أنه "لا يمكن أن نكره منظر الخضرة عموماً.. فما بالك بأيام الجفاف.. وإلى هنا تبدو التبريعة مجرد صورة طبيعية ساذجة، ولكن إذا علمنا أن "لَخْظارْ" في اللهجة الحسانية هو السمرة أي اللون الأسمر فإن المعنى الخفي يصبح غزلاً في حبيب أسمر وكيف السبيل إلى عدم حبه.. وهو الخصوبة في عز الجفاف".

 

وتبعاً للباحثة فإن شعر التبراع حاول أيضاً توظيف رموز وطقوس دينية لخدمة غرض الغزل مثل قول إحداهن : حُبَّكْ ذا الطَّاري… ثابَتْ…رواه البخاري.. (حبك الذي دق بابي .. ثابت في صحيح البخاري)

وتقول أخرى:

وَمْنَينْ نْصَلِّي…يَحْجَلِّي وَ نْعَلْ مَّلِّ… أي (في عز صلاتي أتذكرك.. فأعيد الصلاة من جديد)، ولا يقتصر شعر التَّبْرَاعْ عند النساء الحسانيات على التغزُّل بالرجال فحسب، بل يمتد إلى مجالات أخرى كالتغني بالمكان، أو الطبيعة لارتباطهما بأحداث وذكريات ماضية جميلة ترسَّخت في الذاكرة وسكنت الوجدان لدرجة يصعب نسيانها.

 

إن انتشار تداول التَّبْرَاعْ بالصحراء راجع بالأساس لرقابة المجتمع، التي جعلت منه كياناً وعالماً داخلياً يملأ انشغال النساء الصحراويات بالحب والتعبير عن العواطف والأحاسيس تجاه الرجال أثناء جلسات المسامرة.

 

وفي هذا السياق يأتي تأسيس "جمعية الساقية الحمراء الوطنية النسائية للتبراع وتنمية الإبداع". للتعريف بهذا الجنس الشعري وإخراجه من السر إلى العلن.

 

العربيية

أربعاء, 10/09/2014 - 09:23

          ​