نعم للكفاءة والأمانة.. لا للمحاصصة/محمد ولد اندح

أرأيتم ما قد وصلنا إليه من طفوح جارف للفكر التقسيمي للناس، على أسُس قبَلية وعرقية وجهوية، بشكل لم يعد يخفى على ذي بال، ولا حتى على غير ذي بال؟ ما جعلنا نسير بسرعة الضوء إلى الوراء؟

ورغم خضوع النخبة عموماً لهذا المنطق واستسلامها له، مع الأسف الشديد، ألم تنتبهوا إلى أنه لم يجلب الرضا لأحد؟ فضلاً عن كونه قد جافى كثيراً ما يُتوخى منه من عدل ومساواة واستقرار وطمأنينة؟

ألم يكن حالنا مثلاً في العقود الماضية أفضل بكثير في مثل هذه النواحي مما نحن عليه الآن؟ بمعنى أننا نتأخر فعلاً كلما تقدمنا على مستوى الخضوع لمبدإ التقسيم العرقي واللوني والجهوي!

إن أكثر ما يقلقني على مستقبل هذا الشعب، وهذا البلد، هو تحول الفكر التقسيمي؛ على أسُس قبلية وجهوية وعرقية، إلى ظاهرة يتساوى في طرحها المثقف والمغفل والمتعلم والجاهل! حتى صارت مطلباً حقوقياً يرفعه التقدميون، ويسعى وراءه المهمشون والمغبونون!

واللهِ، إني لقد صحبتُ في حياتي المتواضعة الكثير من الناس الذين لا أعرف قبائلهم ولا أعراقهم، ولم أسألهم عنها يوماً، ومن تعرفتُ منهم على قبيلته أو عرقه، فربما كان ذلك عن طريق الصدفة، أو بطلب شخصي منه..
نعم؛ ليس عيباً، ولا هو مشكلة أصلاً، بل هو سنة الله في خلقه، أن ننتمي لقبائل شتى، وأعراق مختلفة، وجهات متباعدة، وألوان متعددة، ولا ضير في ذلك ما دمنا نفهم أن الله الذي خلقنا وسوّانا بشراً، وساوانا في الكرامة (ولقد كرمنا بني آدم)، قد فعل ذلك لحكمته التي ارتضاها لنا، وقد ندركها أو قد تغيب عنا، لكن المشكلة، كل المشكلة، أن نجعل من هذا الاختلاف العرقي أو اللوني أو الجهوي مصدراً للتباهي والتفاخر، والاعتقاد خطأ أن هذا أفضل من ذاك بسبب انتمائه لهذا الدم أو ذاك!

كلا؛ فواللهِ إننا لمتساوون كأسنان المشط؛ شعوباً وقبائل، لنا الحقوق نفسها وعلينا الواحبات ذاتها في الدنيا، وإن أكرمنا عند الله لأتقانا، وليس أبيضنا ولا أسودنا، ولا عربينا، ولا زاوينا، ولا زنجينا!

ولقد وددتُ دائماً أن ندرك هذه الحقيقة، لنتسامى بأنفسنا عن كثير من المبادئ المتخلفة الرجعية، مثل المحاصصات اللونية والعرقية والجنسية، والتي لم تنتج يوماً سوى تكريس التراتبية القيمية الخاطئة المقيتة، في العقل الجمعي للناس، دون أن توفر العدل والمساواة بين أبناء البلد الواحد والوطن الواحد، في حين أننا لو كنا قد فهمنا أننا متساوون فعلاً وأسندنا "الأمر" في كل شيء إلى من هو أهلٌ له، لكنا قد وفرنا لأنفسنا الفائدة المرجوة، ولتفادينا ما ضاع من مصالح بسبب تغليب مبادئ المحاصصة السيئة على ضرورات الكفاءة!

شخصياً؛ لدي قناعة لا تتزحزح بأن تولي المناصب الوظيفية والقيادية يجب أن يكون فقط على أساس الكفاءة المهنية والمعرفية والعلمية والأمانة في أداء الوظيفة، ولا اعتبار فيه للتمثيل العرقي ولا الجهوي ولا القبلي ولا "الشرائحي".. ولعل انتمائي القبَلي هو الأكثر "تغييباً" على مستوى المناصب العامة منذ نشأة الدولة الحديثة، لكني لم أنظر يوماً إلى ذلك بوصفه مشكلة!

بيْد أن ذلك يجب أن لا يختلط علينا مع موضوع آخر وهو ولوج المواطن؛ حيث هو، إلى ما يقدمه هذا الموظف أو القيادي الأمين من خدمات وإدارة وتسيير؛ حيث يمكن أن تُراعى هنا تلك التقسيمات آنفة الذكر لدى تأدية هذه الوظائف، على أن تتقيد تلك المأمورية بقسط من العدل والإنصاف ومراعاة الأولويات.

وأستغرب حقيقة من بروز أصوات من بعض المثقفين خاصة مطالبة بتوزيع المناصب على أساس عرقي، أو قبلي، أو جهوي، أو فئوي؛ ذلك أن تغليب مبدإ الكفاءة في الموظف، بكل ما تعنيه من معنى، أولى بضمان تأدية حقوق الناس، وتحقيق مصالحهم؛ وإن اختلفت شرائحهم، من تغليب مبدإ المحاصصة السخيف الذي قد تضيع بسببه حقوق الجميع عندما تغيب الكفاءة حتى مع اختيار موظف لتمثيل كل فئة وكل قبيلة وكل جهة وكل شريحة، وهو ما يستحيل في الواقع!

أخيراً؛ كفانا تفاهاتٍ وسخافاتٍ، وعلى النابهين في المجتمع أن يسعوا إلى تغليب مبادئ المساواة، وتكريس قيم العدالة لدى الناس، تلك العدالة التي تقوم على الكفاءة والأمانة، فتأتي بالفائدة وتمكث في الأرض، وليست "العدالة" الزائفة التي تُقام على اللون والعرق فتبوء بالضرورة إلى الفشل!

اثنين, 12/08/2019 - 02:26

          ​