المديح النبوي في موريتانيا تراث أصّله الأجداد.. وحافظ عليه الأحفاد

المديح النبوي فن تداولته الأجيال الموريتانية حتى صار له موسم سنوي يلتقي فيه المشتغلون به لحناً وغناءً وشعراً.

 

ويرتبط المديح النبوي في الذاكرة الجمعية الموريتانية بسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويحيطونه بقدسية، حتى قيل إن "أي جزء من الإنسان يرقص على المديح عُتق من النار".

 

ويعتبر شهر رمضان موسم المديح لدى الموريتانيين، إذ تقام المسابقات والمهرجانات والسهرات الليلة التي يحيها فنانون ومنشدون. ويعتبر "مهرجان ليالي المديح" من أهم الفعاليات في هذا الميدان، ويستضيف كوكبة من ألمع نجوم هذا الفن، يطربون جمهور العاصمة نواكشوط على أنغام مدائحهم العتيقة.

 

ويرى مدير المهرجان محمد عالي بلال أن المديح النبوي "فن يسمو إلى مصاف الموسيقى الروحية، التي تسعى إلى إيصال النفس البشرية إلى مرحلة الصفاء والسلام الداخلي".

 

وللمديح قصة مع الموريتانيين، ويعتبره الباحث يعقوب ولد السالك "من الموروث الشيعي الباقي في البلد، قبل أن يسود المذهب المالكي في ربوعه". ويضيف أن المديح "جزء من تدين هذا المجتمع، ويمثل شكلاً من أشكال التصوف لتغذية الروح".

ويؤكد ولد السالك أن "الأشعار التي يتغنى بها المداحون لا تخضع للضوابط النحوية والصرفية، ولا حتى لقواعد الشعر من أوزان متعارف عليها، بل هي حال فيضان روحي تسمو فيه النفس عن كل هذا في محبة الله وطاعته".

ويتابع قائلاً: "قديماً كان الموريتانيون ينظمون سهرات تقليدية تسمي إجماعة، كل ليلة إثنين وجمعة، ينشد فيها المداحون شعراً في معجزات وصفات وغزوات رسول الله"، لافتاً إلى صحابة النبي "حفظت لهم منزلتهم في المديح، وبخاصة علي ابن أبي طالب الذي يتغنى المداحون بشجاعته وبطولته".

وتسعى "ليالي المديح"، الموسم الأكبر لهذا الفن، وفق رئيسة جمعية "التنوع الثقافي والبيئي" ميمونة منت السالك التي تنظمها، إلى "تسليط الضوء على ثقافة المدح وتاريخه ودوره في إحياء الترابط والتسامح بين فئات المجتمع الموريتاني، من خلال تنظيم سهرات مديحية، وندوات حوارية، تجمع العديد من المداحة والكتاب والباحثين، إضافة إلى حث الشباب على الحفاظ علي الموروث الثقافي المهدد بالاندثار، وإبراز قيم التسامح التي كان يتميز بها المداحون في المجتمع الموريتاني".

وتضيف منت السالك أن خلال الليالي تلك "يُكرم عدد من المداحين والكتاب الذين سخروا حناجرهم وأقلامهم لهذا اللون الموسيقي الديني المهم، فيسلط الضوء على دورهم على مر سنين في حفظ هذا اللون وتغذيته وتوارثه جيلاً بعد جيل".

وإذا كان المديح ثقافة سائدة في المجتمع الموريتاني، فإن هناك اختلافاً في طرق تناوله من عرق إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى. وتعتبر طبقة "لحراطين" (الأرقاء السابقين)، أكثر الموريتانيين اشتغالاً بفن المديح وارتباطاً بأدائه، حتى كاد يكون فنهم الوحيد.

ويؤدي المنشغلون من "لحراطين" بالمديح النبوي المدائح على صوت الطبل والإنشاد بمرافقة فرقة تتولى التصفيق وترديد نهج "المدحة"، ويطلق عليهم "الشدَّادة"، في ظل غياب أي أدوات موسيقية أخرى.

وتلتئم حول المداحة جماهير كبيرة على شكل حلقة، من ساعات الليل الأولى حتى الفجر.

ويختلف المديح عند طبقة الرعاة، لكونه يؤدى مشياً على خلف المواشي التي يرعونها.

 

أما المديح لدى طبقة "ايكاون" (الفنانون التقليديون)، فيختلف عن سابقيه من ناحية الأداء، لكون هذه الطبقة تمتهن الفن وتتاورثه، وتؤدي المدائح النبوية على آلات موسيقية ضمن فرقة فنية تتحدر غالباً من أسرة واحدة.

 

وإذا كانت دول المغرب العربي المجاورة لموريتانيا قد ورثت الموشحات والترانيم الدينية الأندلسية، ووضعت عليها لمسة محلية، فإن المديح النبوي في موريتانيا احتفظ بطابعه التقليدي الذي هو عبارة عن تمازج موسيقى إفريقية وإنشاد عربي.

ويعتمد المديح النبوي الموريتاني على أشعار شائعة بين المداحين باللهجة الحسانية، ويتضمن سرداً قصصياً للسيرة النبوية وغزوات المسلمين في فجر الإسلام، إضافة إلى معجزات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

جمعة, 19/09/2014 - 22:28

          ​