نجحت أخيراً الجاليات الموريتانيّة في الضغط على سلطات الداخل لتفعيل قانون الجنسيّة الذي أقرّه البرلمان عام 2009، والذي لم يطبّق في ذلك الحين بسبب الجدال الذي أثير حول السماح بازدواجيّة الجنسيّة.ويَسمح هذا القانون للمواطنين بالحصول على جنسيّة دولة أخرى مع الاحتفاظ بالموريتانيّة. أما في السابق، فكانت موريتانيا تسحب جنسيتها من كل شخص يحمل أخرى، ما أفقدها الكثير من الكفاءات والمواهب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نحو ثلث الحاصلين على الثانويّة العامة يتركون البلاد للدراسة، بالإضافة إلى خرّيجي الجامعات والمعاهد الذين يتمّ ابتعاثهم للدراسات العليا في الخارج، وكنتيجة لذلك تبقى نسبة كبيرة منهم هناك.ويقول المهاجر الحسن ولد عبدي (43 عاماً) إن "موريتانيا كانت تفقد أطرها وطلابها في الخارج بسبب هذا القانون، بالإضافة إلى المهاجرين الباحثين عن فرص عمل وحياة أفضل".
ويرى أن القانون الجديد أعاد الأمل إلى عدد كبير من الذين فقدوا جنسيتهم بسبب حصولهم على جنسيّة دولة أخرى. ويخبر ولد عبدي المقيم في فرنسا أنه تردّد مراراً في التقدّم بطلب الحصول على الجنسيّة الفرنسيّة بسبب خشيته من فقدان جنسيته الأصليّة، وكان يقوم بتجديد أوراق إقامته كل عام. لكنه اليوم بات قادراً على الاستفادة من الجنسيّة الفرنسيّة والاحتفاظ بالموريتانيّة.ويعود التشدّد في قانون الجنسيّة في موريتانيا إلى نشأة الدولة، عقب استقلالها عن فرنسا عام 1960.
فقد لجأت السلطات إلى وضع قوانين مشدّدة لفرض الولاء للدولة الفتيّة وترسيخ الهويّة في بلد متعدّد الأعراق. وقد استمرّ التشدّد في قانون الجنسيّة مع ازدهار تيار الهجرة من الدول الإفريقيّة إلى موريتانيا، ما أثار هواجس من اختلال التركيبة السكانيّة في بلد لم يكن تعداده السكاني يتخطى مليون نسمة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.وإذا كانت هذه الاعتبارات قد فرضت على السلطات التحفّظ في منح الجنسيّة، إلا أن الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي عاشتها البلاد بعد هذه الفترة دفعت الشباب إلى الهجرة. وأصبحت مشكلة ازدواجيّة الجنسيّة مطروحة بشدّة ومن قبل فئات مختلفة في المجتمع.ويشير الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين إلى أن "الإقبال على الهجرة في موريتانيا لم يكن بالمهمّ مقارنة مع دول المغرب العربي. فقد كانت الهجرة محصورة بالزنوج. لكن الظروف الاقتصاديّة وتوالي سنوات الجفاف وتطوّر المجتمع وارتفاع عدد البعثات الطالبيّة، عوامل ساهمت في رفع أعداد المهاجرين بشكل كبير وفي دفع قضيّة ازدواجيّة الجنسيّة، التي لم تكن مطروحة، إلى الواجهة.والقانون الجديد جاء استجابة لجالية تقدَّر بنحو 600 ألف شخص وتساهم في حركة الاقتصاد والسوق، يعيل أفرادها أسراً ويرتبطون اجتماعياً بمحيطهم ويملكون خبرات وكفاءات تحتاجها البلاد. فتمت مراعاة هذه الاعتبارات في القانون.
ويرى ولد الزين أن لا مبرّر للتخوّف من ولاء حاملي جنسيتَين، مشدداً على أهمية القانون الجديد وضرورته في هذه الفترة، نظراً لتزايد أعداد المهاجرين واستمرار نزيف الكفاءات والمواهب التي تبحث عن فرص أفضل.ثمّنت الحركات السياسيّة والحقوقيّة قرار الحكومة تطبيق ذلك القانون، واعتبرت أن القرار يعزز الوضع القانوني للمهاجرين والمساواة بينهم وبين المواطنين بالإضافة إلى أنه يتلاءم مع الاتفاقيات الدوليّة التي تحمي الحقوق المدنيّة والسياسيّة للمهاجرين. ويعطي النص الجديد الأولويّة للذين سُحبت منهم الجنسيّة أو الذين مُنعوا من تجديد أوراقهم الثبوتيّة بسبب حصولهم على جنسيّة أخرى، باستعادة جنسيته.
ويرى الباحث في قانون الأحوال الشخصيّة، عالي ولد الجيد، أن الإصلاح الجديد لقانون الجنسيّة يأخذ بعداً إنسانياً وسياسياً واسعاً إذ إنه يشمل مفهوم الحقوق والحريات والواجبات المرتبطة بالمواطنة، ويراعي كذلك مواءمة تدابير قانون الجنسيّة مع تطوّر المجتمع وتغيّر الطارئ في بنيته بهجرة المواطنين إلى الخارج. ويوضح أن القانون الجديد "يقدّم حلاً نهائياً لقضيّة ازدواجيّة الجنسيّة بالنسبة إلى المغتربين الحاصلين على جنسيّة أخرى والمحرومين من الموريتانيّة".وهذا القانون، سيساهم في تشجيع اللاجئين على العودة وتحسين سمعة البلاد التي تُتّهم في منابر دوليّة بالتمييز العنصري، بسبب عدم السماح للأفارقة الذين اكتسبوا الجنسيّة الموريتانيّة في مرحلة "التجنيس العشوائي" بالاحتفاظ بها لحصولهم على أخرى. وهو بالتالي سيحلّ مشاكل المهاجرين ويبدّد مخاوف المهجّرين.
العربي الجديد