لماذا نرفض القبيلة / محمد يرب

في إحدى خطب الجمعة تناول الإمام موضوعًا من الأهمية بمكان، إذ تكلم عن صلة الرحم و أهميتهما في الدين و المجتمع... ولكنني أرى أنه لم يوفق في كلامه عن القبيلة و أهميتها في هذا السياق، فقد دعى إلى التمسك بها و أعتبرها ركناً من أركان المجتمع لاغنى لنا عنه. و للإنصاف فإن الامام ذكر عدة أشياء من أهمها: 

- أن الاسلام أقر القبيلة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ"

- أن الاسلام بنى على القبيلة قواعد مهمة كالميراث و أن أبناء العمومة أولى بالنكاح و بالدم.

- كما أن المجتمع بنى عليها قواعد عرفية مهمة كإلغاء الدية بين بعض القبائل.

ولكن المشكلة الاولى في هذا الطرح هي أنه يشتمل على مغالطة. نعم الاسلام أقر القبيلة و بين اهميتها ولكن السؤال المطروح هل أوجبها؟ والجواب هو "لا." تماما كما ان الطلاق مباح ولكنه "ابغض الحلال إلى الله."

و زيادة على ذلك فإن المقصد من القبيلة هو التعارف و التعاون و التكاتف وليس التكبر و التفاخر و التعالي كما هو الحال في موريتانيا. ومن هنا يمكن القول أن المنظومة القبلية في هذا البلد تناقض روح الشرع بسبب مخالفتها لأسس من أهمها: 

- حرمة التكبر "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [القصص:83]

- حرمة التنافر "لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ" رواه مسلم.

- "لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى."

وعلى العكس فأفراد كل قبيلة يعتبرون قبيلتهم أعلى شئنا من غيرها و بعض الافخاذ أفضل من بعض في نفس القبيلة، و البيظان أفضل من لحراطين و لمعلمين، وينتج عن هذه الهرمية تنافر إجتماعي بغيض يظهر القبيلة على حقيقتها المختلفة تماما عن الصورة الموجودة في ذهن الإمام.... فمثلاً حين يتعلق الامر بالزواج فإن قاعدة أبناء العمومة أولى بالنسب تنهار، فالبيظان لا يقبلون الزواج بلحراطيين ولمعلمين وإيگاون لأنهم ليسو أكفاء في النسب حتى وان كانو من نفس القبيلة.

أما ربط الرحم بالقبيلة فهذه أيضاً مسألة فيها نظر، لأن من أهل القبيلة من يرتبط بها من خلال النسب أو المكاتبة و هؤلاء معنين بالأمر. أما الذين لم يدخلو القبيلة بل أدخلوها بسرقتهم و بيعهم ثم بإستعبادهم فهم ليسو معنيين ف "متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحرارا..."

أما في ما يتعلق ببعض القواعد العرفية التي وضعتها القبيلة فهي الأخرى فيها ما يعارض الشرع، وقد سمعت أحد الفقهاء يتكلم عن نقطتين في هذا السياق ويقول: 

- أنه من الباطل ما تفعله بعض القبائل بتحديد أمهار نسائها بمبالغ معينة.

- كما أنه من الباطل إلغاء الدية بين قبيلتين لأن الدية لأهل القتيل وليست للقبيلة.

وخلاصة القول أن القبيلة كنظام شرعي مبني على أسس منطقية و ضوابط شرعية عادلة هي اللتي دعى الإسلام إليها و ليست على الشكل الموجود عليه في موريتانيا. فالدعوة الى تصحيح القبيلة و إعادتها الى النبع الصافي أولى من الدعوة إلى التمسك بها على فسادها....

و أنا شخصياً أرى أن القبيلة الموجودة في هذا البلد نظام فاسد و سلبي خاصة بالنسبة للشرائح المضطهدة.

فأنا كحرطاني أرى أن القبيلة ليست في صالح لحراطين على الإطلاق لأنها تجعلهم ذيلاً بغض النظر عن الدين و الاخلاق والمعرفة والكفاءة.

- فلا هم يستطيعون تسيدها

- ولاهم يقدمون وأن تقدمو على أبنائها

- ولاهم مأهلون لنكاح بنات أشرافها

- و النظرة السائدة في المجتمع هي أنهم ليسو منها بل لها (حرطاني الفلانيين)

وتجدر الإشارة أيضاً أن القبيلة لم تحسن إلى لحراطيين، بل أسائت إليهم إذ إستعبدتهم و جهلتهم و أنهكتهم بأرض يزرعونها ويحصدها غيرهم....

فكيف نطالب شخصًا بالتمسك بمنظومة مبنية على تهميشه وجعله في ذيل المجتمع؟ و الرسول صل الله عليه وسلم يقول "المؤمنون تتكافؤ دمائهم......" والله جل جلاله يقول "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ." و هذه تكملة للآية التي نأخذ بنصفها الذي يقر القبيلة و نتجاهل النصف اللذي يقيدها ويذكر ماهو أهم منها (أساس التفاضل)، وهي آية علّق عليها الفاروق رضي الله عنه بقوله "ضاع النسب."

و أستخدامي ل "بيظاني" و "حرطاني" ليس للتفرقة بل لتسمية الاشياء بأسمائها... نعم نحن شعب واحد ولكن بعنصرين كالأنصار بأوسهم و خزرجهم.

وأنا إذ أرفض تبعية الحرطاني للقبيلة لا أرى نفسي مؤهلا لأن أقول للبيظاني أن يتمسك بها أو ينفصل عنها، فأهل مكة أدرى بشعابها.

وفي الختام فإني أرى أن الإمام وقع في خطأين:

- الاول أنه تكلم عن مسألة يبدو أنه لايعرف جميع جوانبها و القاعدة تقول أن " الحكم على الشيئ فرع عن تصوره."

- و الخطأ الثاني هو أن الإمام لم يقل الا الحق ولكنه لم يقل كل الحق... فشتان بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن. ونحن نرفض الثاني ولا نرفض الأول.....

ثلاثاء, 23/06/2020 - 09:17

          ​