الصحافة مهمتها الأولى هي الإخبار، وفق القواعد المهنية التى تضبط الرسالة الإعلامية، وهي كذلك منبر للتواصل، يقوم على بعدين أساسيين هما ثنائية التأثر والتأثير، والهدف هو صنا عة رأي عام وفق غايات محددة، لكنها فى مرحلتنا الراهنة ،تعرف تحولات كبيرة، تجاوزت كل تعاريف وأشكال الممارسة التقليدية للمهنة ، بأدواتها الاكلاسيكية، وذلك بفعل التأثير القوى والمتنامى للتقانة والتكنوجيا المعاصرة ،التى ٍسهلت إنتاج نمط جديد من التواصل الجماهيرى، ساهم فى نقل وصناعة الحدث، بأساليب متعددة ،وهو ما أصبح يعرف بالإعلام الجديد، أوالصحافة المواطنية، التى مكنتها وسائط التواصل الإجتماعي من الانتشار والقدرة الفائقة على الاختراق والتعبئة والتفاعل السريع مع الأحداث .مما يتطلب المواكبة والضبط معا، لتحصين مزية حرية التعبير وتوطيدها،مع الإستفادة إيجابيا من المزايا الجديدة لشبكات التواصل الاجتماعى.
أما السياسة فتعنى القيام على أمور الناس،بفعل التأثير وقوة الإستقطاب، ووضوح الرؤية التى يمتلكها المشروع، أو البرنامج السياسي، ووجاهة القرار المشترك إزاءه ، وتمارس من خلال نظام أو تنظيم سياسي يعتمد فى استمراريته على الأفكار لا على الأشخاص ويفرز قادته قاعديا لا هرميا، ويفترض في السياسة المساهمة فى تشكل الوعي ووضع ملامحه وأن تكون الوعاء الفكرى لتدبير شؤون الحكم من خلال ما يتم تقديمه فى مختلف الجوانب السياسة والإقتصادية والإجتماعية مما ينفع حياة الناس ويلامسونه إضافة إلى ضبط وتحديد التموضع ونمط التعاطى داخل المنظومة المجتمعية.
لكن السؤال الذى يطرح نفسه بإلحاح..
أين نحن من الممارسة الصحيحة للصحافة و السياسة وفق ما ذهبنا إليه من تعاريف مبسطة ومختزلة لكل منهما…؟
للمساهمة فى الرد على السؤال أرى أن أغلب ما نتابعه من ممارسة للصحافة والسياسة فى بلادنا لا يمت لهما بصلة ولا يخضع للمنظومة المعرفة لهما ولا للمفاهيم المؤسسة لهما كذلك ، فلا السياسة يمارسها السياسيون وفق خلفيات فكرية وتاريخ نضالى مشهود ولا الصحافة كذاك، مع بعض الإستثناء فى كليهما، فالصحاافة تتطالب المهنية والمؤسسية والتأثير وامتلاك الوسائل المادية والمعنوية وهو ما لايتوفر على الأقل فى صحافتنا المستقلة ، فلاملامح واضحة لخط تحريرى مقنع ولا اعتبار لأخلاقيات المهنة ولا مكانة لحق للرد ولا اهتمام بالتحرى والتدقيق فيما ينشر من أخبار وتقارير وتحقيقات ..الخ
والسياسة هي الأخرى يفترض فيها الإستناد على خلفية فكرية حتى لا أقول مرجعية وأقع فى شبهة المصطلح، وأن يمتلك ممتهنوها القدرة على تحويلها إلى فعل قادر على التأثير المستمر والبناء على التراكم والمرتكز النضالى والفرز المتواصل للكوادر والإحتكاك الميدانى لا الموسمى بقضايا الناس ونيل ثقتها عبر برامج التكوين والتثقيف المستمر حتى تمتلك الإيمان باستمرارية المشروع من خلال الإستعداد للتضحية فى سبيل بقائه.
لقد أصبح من الأولويات بل من الضرورى ونحن ندخل مرحلة جدبدة من الأمل فى الإصلاح الشامل، أن نبدأ بإضفاء المصداقية على المشهدين الإعلامى والسياسي فى بلادنا ، من خلال تجاوز أنماط الفساد السياسى والإعلامى المعكر للصفو العام، وذلك بتصحيح مسارهما الذى أصابه الوهن والضعف وبشكل ساهم فيه العديد من الأطراف من سنوات عديدة وتكون البداية بإعادة الإعتبار للمؤسسات السياسة وللقادة السياسيين وخلق مناخ من الثقة بين كل أطراف المشهد، و أن يكون الفيصل فى الوصول للسلطة هو صناديق الإقتراع ، ونفس الشيئ ينطبق على الصحافة التى تتطلب تحديد من هو الصحفى وما هي المؤسسة الصحفية وتشكيل هيئة لتنظيم وضبط المهنة، وبدون هذه الخطوات لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية ناضجة، ولا تنمية متطورة ،ولا عدالة ولا أمن ولا استقرار ، وإن بقي الحال على ما هو عليه فسيبقى مجال السياسة حلبة لصراع الكبارعلى المزايا والمصالح الضيقة وستبقى الصحاقة مرتعا للمتسولين وسوقا للإبتزاز وبيع أعراض الناس.